السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
افتتاحية صحيفة النبأ - العدد (332)
الخميس 28 شعبان 1443هـ
***
معركتنا مع اليهود إسلامية بحتة !
لم تجد الفصائل الفلسطينية المموّلة إيرانيًا طريقةً لمحاولة نفي صلة الدولة الإسلامية بالهجوم الانغماسي شمال فلسطين غير قولها إنّ العدو "يسعى إلى ربط العملية بأهداف غير مشروعة وغايات يرفضها الجمهور، وبالتالي نزع الشرعية الوطنية عن الشهداء، والحقيقة أن الشهداء قاموا بتنفيذ العملية، بدوافع وطنية بحتة!"... زعموا.
ولقد أجرى الله تعالى على ألسنة هؤلاء ما في قلوبهم، فإن الحقيقة التي تظهر لكل من يقرأ هذه الهرطقات يُدرك أن هذه الفصائل تسعى إلى نزع الصبغة الإسلامية عن القتال في فلسطين! وسلخ عقيدة الولاء والبراء مِن قلوب أبناء المسلمين، وإخراج جيل وطني بحت! يقاتل وطنيّةً وقوميّةً وحميّةً؛ جيل يقاتل لأهداف "غير مشروعة في الإسلام" ذكرها الحديث الصحيح الذي رواه أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه- حيث قال: "سُئل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعةً، ويقاتل حميةً، ويقاتل رياء؛ أيّ ذلك في سبيل الله؟" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) [متفق عليه]، وقال ابن حجر -رحمه الله- معلِّقا على الحديث: "وفي إجابة النبي صلى الله عليه وسلم بما ذكر غاية البلاغة والإيجاز، وهو مِن جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، لأنه لو أجابه بأنّ جميع ما ذكره ليس في سبيل الله؛ احتمل أن يكون ما عدا ذلك كله في سبيل الله، وليس كذلك، فعدَل إلى لفظٍ جامعٍ عدَل به عن الجواب عن ماهية القتال إلى حال المقاتل، فتضمن الجواب وزيادة" [فتح الباري]
لقد حسم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الجواب الشافي المسألة إلى يوم الدين بقوله: (مَن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)، وهو قيدٌ أخرجَ سائر المقاصد والبواعث والدوافع الباطلة غير المشروعة للقتال، فالغاية الوحيدة من القتال أن يكون في سبيل الله تعالى نصرة لدينه وإعلاءً لكلمته وإقامةً لشرعه، سواء رفضها الجمهور أم قبلها! فنحن لا نقدِّم عرْضا لما يطلبه المشاهدون! ولسنا مطالبين بإرضاء الجمهور فلم يكلّفنا الله بذلك، بل نحن مطالبون بإرضاء الله تعالى وحده، فإنْ رضي -سبحانه- فلا نبالي بعدها بما يكون، كما إنّ الذي يُحدّد الأهداف المشروعة مِن غيرها هو شرع الله تعالى، وليست عقول البشر القاصرة وأمزجتهم المتقلّبة ومصالحهم المتوهمة.
ومعلوم أن القتال انطلاقا من "دوافع وطنية بحتة" يدخل تحت قوله: (يقاتل حميّة) أي: حمية عن وطنه أو قومه أو حزبه، فهو يقاتل حميةً لا حِسبة!، وهو مخالف أيضا لمراد الحديث الصحيح الذي رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مبيِّنا حقيقة المعركة مع اليهود وجاء فيه: (… حتى يقول الحجر وراءه اليهودي: يا مسلم، هذا يهودي ورائي فاقتله) [متفق عليه]، فلا اعتبار للوطنية والقومية في هذه المعركة وكل معارك الإسلام، ولو كانت المعركة وطنية؛ لما انطلقت جيوش الصحابة الفاتحين في عهد الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من الجزيرة العربية إلى بيت المقدس! ولو كانت المعركة وطنية لما أتاها صلاح الدين الأيوبي من أقصى الأرض فاتحا مكبّرا.
إن هؤلاء يجتهدون في إبعاد الإسلام عن سير المعركة مع اليهود وحصْرها في سياقات وطنية وقومية نتنة! هروبًا مِن ضريبة الإيمان، بينما تسعى الدولة الإسلامية إلى تصحيح هذه الخطيئة الكبرى التي توارثتها الأجيال جراء عقود وحقب طويلة من التحريف والتضليل.
إن معركتنا مع اليهود معركة إسلامية عقدية بحتة! وإن الشرعية التي ينطلق منها جنود الخلافة في كل معاركهم، هي شرعية الكتاب والسنة، فوا عجبا لأقوام يأنفون الإسلام وسمته ورسمه وصبغته، ثم يتوهمون أن النصر سيتنزل عليهم.
ولنا مع العملية المباركة وقفات؛ لقد انتظر المسلمون بيعةً من فلسطين لأمير المؤمنين الشيخ أبي الحسن الهاشمي -حفظه الله تعالى- فجاءت ولكن بطريقة خاصة!، جاءت موقّعة بدماء أسدين من أبناء الإسلام أبيا إلا أن يلتحقا بموكب النور فكفَّيا ووفَّيا وأعذرا وأفرحا قلوب المسلمين في كل مكان، وأغاظا اليهود والمنافقين وآخرين من دونهم.
لقد حاول المرتدون إقناع الناس أن الدولة الإسلامية لا تقاتل اليهود لأنها لا تريد ذلك!، وظلوا يُشْرعون هذه الفرية في وجه كل مَن يسعى للالتحاق بها، متناسين أن الحكومات والتحالفات والفصائل والميليشيات كلها تشاركت خلال العقد الأخير في الحيلولة دون وصول جنود الخلافة أو مفارزهم إلى فلسطين أو حتى إلى نقاط التماس مع اليهود، وتقاطعت أهدافهم ومصالحهم مع اليهود في منع وقوع ذلك، فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا ووقع ما كانوا يحذرون!، فصاروا كالذي يتخبطه الشيطان من المسّ كلما سمعوا بوقوع أي عملية داخل فلسطين خشية أن تكون لجنود الخلافة! وباتوا لا يباركون أو يثنون حتى يتأكدوا أنها تمت بدوافع ومنطلقات بعيدا عمّا يكرهون ويبغضون!، فإن وقعت عملية للمجاهدين أصبحت "مشبوهة!" وإن وقع بعدها بساعات عملية لغيرهم صارت "بطولية"… فذرهم وما يفترون.
لقد سبق وأوضحت الدولة الإسلامية موقفها من الصراع في فلسطين في خطابات أمرائها وقادتها كما تناولت ذلك أيضا في مقالات سابقة منها: "بيت المقدس.. إنْ أولياؤه إلا المتقون"، و"بيت المقدس.. قضية شرعية أولا"، و"الطريق إلى القدس"؛ شرحت فيه التوصيف الشرعي الصحيح للقتال في فلسطين بعيدا عن الإفراط والتفريط، ولم تدخر الدولة الإسلامية جهدا في محاولة إيصال الموت إلى اليهود أو تجنيد المفارز التي تسعى لذلك، واليهود يعرفون ويُخفون أكثر مما يقولون، وحسبنا أن الله يعلم وغدا ستعلمون.
ومما نود الإشارة إليه أيضا أنّ ما يجري في المنطقة بأسرها، لا ينبغي أن يدفعنا إلى الخوض في التخريفات والتخرّصات البدعية كتحديد مواعيد وأيام للنصر! كما انتشر مؤخرا على ألسنة "المخرِّفين" و"المنجِّمين" الذين فتنوا الناس في دينهم وفتحوا للملحدين بابا للطعن والتشكيك في الإسلام، فإنه لو صحّ تحديد موعد للنصر لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحقّ الخلق بذلك، بل جرت سنة الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم في الأخذ بالأسباب فعاش بدرا وأحدا والأحزاب، وتُوفي صلى الله عليه وسلم ولم يرد عنه أنه ضرب لأصحابه أجلا وموعدا للنصر.
وختاما، نتوجه إلى الشباب في فلسطين ومحيطها أن ينفضوا عنهم غبار القعود ويخرجوا من دائرة التيه والعبث، ويصوِّبوا عقائدهم ويصحِّحوا مساراتهم ويحرِّروا أنفسهم مَن رقّ الوطنية إلى سعة الإسلام، ويُدركوا أنّ الحل ليس في مجرد القتال، بل في القتال المجرّد الخالص لله تعالى الذي لا يقبل بغير الشريعة حكما، وبغير مرضاة الله غاية، ومِن أخص خصائصه وسماته: الولاء للمؤمنين والبراء من المشركين، ذلك الدين القيّم، قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}، والحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التفريغ من إعداد: مؤسسة الخير الإعلامية