المنارة
المنارة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


مشكاة هداية ونور في دياجير الظلام
 
الرئيسيةس .و .جبحـثالتسجيلدخول

 

 خبيئة العمل الصالح

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مسلمة

مسلمة


تاريخ التسجيل : 15/06/2021

خبيئة العمل الصالح Empty
مُساهمةموضوع: خبيئة العمل الصالح   خبيئة العمل الصالح I_icon_minitimeالأربعاء أغسطس 18, 2021 12:18 am

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم

..

خبيئة العمل الصالح


الحمد لله رب العالمين، هادي المؤمنين وموفق الموحدين، المنعم المتفضل ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، والصلاة والسلام على نبي الهدى البشير النذير الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه ومن استن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.


قال الله تعالى: {إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفِّرُ عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير} [سورة البقرة: 271] ،" وقوله: {إن تبدوا الصدقات فنعما هي} أي: إن أظهرتموها فنعم شيء هي، وقوله: {وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} فيه دلالة على أن إسرار الصدقة أفضل من إظهارها" 
(ابن كثير)، وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من السبعة - الذين يظلهم الله تعالى يوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله، (رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله - ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا - ففاضت عيناه) (متفق عليه) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من استطاع منكم أن يكون له خبء من عمل صالح فليفعل) [رواه ابن أبي شيبة وغيره بسند صحيح]، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب العبد التقي، الغني، الخفي) [رواه مسلم]، ورحم الله الزاهد الورع بشر بن الحارث حيث قال: "لا يجد حلاوة الآخرة رجل يحب في الدنيا أن يعرفه الناس".


إن أحوال الصادقين المخبتين في كل زمان وحين، تختلف باختلاف مجاهدة العبد نفسه على الإخلاص وطلب الوصول لأعلى مراتب الأعمال الصالحة، التي يتقربون بها إلى
خالقهم جل في علاه، وهم بذلك يريدون رضى الرحمن وحده لعلمهم أن الغاية هي رضاه سبحانه لا رضى سواه، ولا يتحقق ذلك إلا بصدق الإرادة وسلامة القلب من الشوائب والعوالق والموانع التي تحول بين العبد وبين الوصول لذروة الإخلاص.


وفيما يأتي سنذكر بعضا من أحوال أولئك الذين وفقهم الله تعالى للتخلص من أمراض القلوب التي ابتلي بها الكثيرون اليوم كحب الظهور والسعي للحصول على مكانة في قلوب العباد على حساب إخلاصهم لله، وما أكتر من جعل الله له صدا وبغضا في قلوب العباد رغم الظاهر الذي يدل على الصلاح والعبادة، وما سبب لذلك غير الخبايا التي لا يعلمها سوى الله علام الغيوب، فلذلك حري بالمرء أن يجعل لنفسه خبيئة عمل صالح بينه وبين الله تعالى فهي من أسباب الثبات على الدين، وهي أيضا من أسباب زوال الكربات كما ورد في حق أصحاب الغار حين أطبقت عليهم الصخرة فاستحضر كل واحد منهم الخبيئة التي بينه وبين الله تعالى، فكانت سببا في نجاتهم من الكربة التي كانوا فيها، قال ابن القيم رحمه الله: "الذنوب الخفيات أسباب الانتكاسات، وعبادة الخفاء أصل الثبات".


وأبواب العبادات الخفية كثيرة كالصلاة في جوف الليل، والسعي في حوائج الضعفاء والمساكين ومواساتهم دون علم أحد، وصدقات السر التي تطفئ غضب الرب سبحانه، وتلاوة آيات الله وتدبرها، أو إغاثة ملهوف، أو صيام خفي، أو دعاء وخلوة تعقبها دمعة تنحدر من عينك منهمرة مع توبة صادقة، أو استغفار وذكر لله لا يتفطن له أحد، والله لا يضيع أجر المحسنين.


ومن صور حياة أولئك الأفذاذ من الصحابة والتابعين والسلف الميامين الذين أشهر الله أعمالهم بعد موتهم ليكونوا قدوة للسالكين فأعلى الله ذكرهم في الأرض رغم حرصهم على إخفاء أعمالهم.


الإمام زين العابدين علي بن الحسين رضي الله تعالى عنه وأرضاه الذي كان يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدق به.


قال عمرو بن ثابت: "لما مات علي بن الحسين فغسلوه جعلوا ينظرون إلى آثار سواد في ظهره، فقالوا: ما هذا؟ قالوا: كان يحمل جرب الدقيق -يعني أكياس الدقيق- ليلا على ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة، وكان من خبره رحمه الله أنه كان إذا ناول المسكين الصدقة قبَّله ثم ناوله". [البداية والنهاية].


وهذا داود بن أبي هند يصوم أربعين سنة لا يعلم به أهله، كان له دكان يأخذ طعامه في الصباح فيتصدق به، فإذا جاء الغداء أخذ غداءه فتصدق به، فإذا جاء العشاء تعشى مع أهله!
[سير أعلام النبلاء].


وكان رحمه الله يقوم الليل أكثر من عشرين سنة، ولم تعلم زوجته بذلك، فسبحان الله كيف ربوا تلك النفوس على الإخلاص؟ ما ذاك إلا بشيء وقر في القلوب، وحملوها على إخفاء الأعمال الصالحة، فهذه زوجته أقرب الناس إليه وألصق الناس به لا تعلم، يقوم عشرين سنة أو أكثر خفية، فأي حرص هذا على إخفاء الأعمال الصالحة وأي مجاهدة للنفس تلك؟، وذكر عن أيوب السختياني أنه كان يقوم الليل كله فيخفي ذلك، فإذا كان عند الصبح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة. [سير أعلام النبلاء].


" وحاصر مسلمة بن عبد الملك حصنا فأصابهم فيه جهد عظيم فندب الناس إلى نقب منه فما دخله أحد فجاء رجل من الجند فدخله ففتح الله عليهم فنادى منادي مسلمة، أين صاحب النقب فما جاء أحد حتى نادي مرتين أو ثلاثا أو أربعا، فجاء في الرابعة رجل فقال: أنا أيها الأمير صاحب النقب أخذ عهودا ومواثيق ثلاث: لا تسوّدوا اسمي في صحيفة ولا تأمروا لي بشيء، ولا تشغلوني عن أمري، قال: فقال له مسلمة: قد فعلنا ذلك بك. قال: فغاب بعد ذلك فلم ير، قال: فكان مسلمة بعد ذلك يقول في دبر صلاته: اللهم اجعلني مع صاحب النقب" 
(تاریخ ابن عساکر) 


وقد ذكر عبدة بن سليمان المروزي قال: " كنا في سرية مع ابن المبارك في بلاد الروم، فصادفنا العدو ولما التقى الجمعان خرج رجل للمبارزة فبرز إليه رجل فقتله ثم آخر فقتله ثم آخر فقتله، ثم دعا إلى البراز فخرج إليه رجل فطارده ساعة ثم طعنه فقتله فازدحم الناس، فزاحمت فإذا هو ملثم وجهه، فأخذت بطرف ثوبه فمددته، فإذا هو عبد الله بن المبارك فقال: وأنت يا أبا عمرو ممن يشنِّع علينا".


فلله درهم من رجال أتقياء أنقياء أخفياء، كانوا رحمهم الله يحرصون على الخبيئة الصالحة لما وجدوا فيها من لذة زينت قلوبهم بالإيمان والقرب من الرحيم المنان، فهي عبادة من اعتادها طهر قلبه وتهذبت نفسه، إنها عبادات السر وطاعات الخفاء، حيث لا يطلع عليها أحد سوى المولى الجليل، فأنت عندئذ تقدم العبادة له وحده غير راج منزلة عند أحد من الخلق، أو منتظر أجرا منهم مهما قلّ أو كثُر، وهي سبيل لا يستطيعها المنافقون الكذابون أبدا؛ لأنهم لا يرجون من عملهم إلا الرياء والثناء.


فهنيئا لمن حرص أن تكون له خبيئة صالحة يدخرها ليوم فقره وذلِّه، ليوم تشخص فيه الأبصار، ليوم تُبلى فيه السرائر، ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.


 إن لم يكن لله فعلك خالصاً
فكل بنـاء قـد بنـيـتَ خـرابُ


وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــــ
النبأ - العدد (299)
الخميس 3 محرم 1443هـ

الغريب يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
خبيئة العمل الصالح
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» (العمل فيهن أحب إلى الله)
» بقية السلف الصالح في غزة وقتال اليهود

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنارة :: مكتبة المنارة :: قسم التزكية والرقائق-
انتقل الى: