المنارة
المنارة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


مشكاة هداية ونور في دياجير الظلام
 
الرئيسيةس .و .جالتسجيلدخول

 

 الفتح بعد الأحزاب!

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مسلمة

مسلمة


تاريخ التسجيل : 15/06/2021

الفتح بعد الأحزاب! Empty
مُساهمةموضوع: الفتح بعد الأحزاب!   الفتح بعد الأحزاب! I_icon_minitimeالخميس مايو 18, 2023 2:16 am

بسـم الله الرحمـن الرحيـم
***


الفتح بعد الأحزاب!


لا يذوق المؤمنون النصر في الدنيا حتى يمرّوا بالابتلاءات التي تنقّي صفوفهم ممّن ليس منهم، ثم إن رأى الله الكريم منهم الثبات على أمره رغم هذه الابتلاءات؛ آتاهم نصره من حيث يحتسبون أو لا يحتسبون، وهكذا هي سنّة الله تعالى في خلقه، من لدن آدم عليه السلام حتى قيام الساعة، ابتلاء ومحن، ثم ثبات وصبر واحتساب، ثم نصر وفتح وعز وتمكين.




تاريخ الابتلاءات قديم!


لو نجّى الله تعالى من الابتلاءات أحدا من خلقه لمنزلته عنده؛ لنجّى أنبياءه عليهم السلام، ولآتاهم نصرَه جاهزا بلا فتن ولا ومحن، ولا دماء ولا أسّر، ولا جهاد في سبيله ولا صبر على اللأواء، لكن الله إذا أحبّ قوما وأراد بهم خيرا وأعدهم للنصر والتمكين: مشّاهم في درب الابتلاءات إلى أن تخرج الدنيا من قلوبهم ويصلوا لمرحلة يستيئسون فيها من أسباب الدنيا ويتعلقون بأسباب الآخرة، فيتمايز عند ذلك المصدّقون بوعد الله من المنافقين المرجفين، ويتساقط الأدعياء من إعياء البلاء فلا يواصلون، ويواصل المؤمنون دربهم ليصفو النصر خالصا لهم من دون المنافقين، وعلى هذا الدرب الشائك الطويل، مشى أنبياء الله الكرام، فصبروا على ما أوذوا في سبيله حتى جاءهم نصره، ومن تتبع سير هؤلاء الأكرمين عليهم الصلاة والسلام وجد أنهم ما نصروا إلا بعد الصبر على البلاء، قال تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ} [الأنعام]، قال ابن كثير: "هذه تسلية للنبي -صلى الله عليه وسلم- وتعزية له فيمن كذبه من قومه، وأمر له بالصبر كما صبر أولو العزم من الرسل، ووعد له بالنصر كما نصروا، وبالظفر حتى كانت لهم العاقبة، بعد ما نالهم من التكذيب من قومهم والأذى البليغ، ثم جاءهم النصر في الدنيا، كما لهم النصر في الآخرة، ولهذا قال: {وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ} أي: التي كتبها بالنصر في الدنيا والآخرة لعباده المؤمنين، كما قال: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمْ الْغَالِبُونَ} [الصافات]، وقال تعالى: {كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة]، وقوله: {وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ} أي: من خبرهم كيف نصروا وأيدوا على من كذبهم من قومهم، فلك فيهم أسوة وبهم قدوة" [التفسير].


وقال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ}، قال ابن كثير: "يقول تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ…} قبل أن تبتلوا وتختبروا وتمتحنوا، كما فعل بالذين من قبلكم من الأمم، ولهذا قال: {وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ…}، وهي: الأمراض والأسقام والآلام والمصائب والنوائب…{وَزُلْزِلُوا..} خوفا من الأعداء زلزالا شديدا، وامتحنوا امتحانا عظيما، كما جاء في الحديث الصحيح عن خبّاب بن الأرت قال: "قلنا: يا رسول الله، ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟" فقال: (إنّ مَن كان قبلكم كان أحدهم يوضع المنشار على مفرق رأسه فيخلص إلى قدميه، لا يصرفه ذلك عن دينه، ويمشّط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه، لا يصرفه ذلك عن دينه)، ثم قال: (والله ليُتمنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنّكم قوم تستعجلون)، وقال الله تعالى: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت].




(وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا)


وقد حصل من هذا جانب عظيم للصحابة رضي الله عنهم في يوم الأحزاب، كما قال الله تعالى: {إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب]، ولمّا سأل هرقل أبا سفيان: هل قاتلتموه؟ قال: نعم، قال: فكيف كان الحرب بينكم؟ قال: سجالا، يُدال علينا وندال عليه، قال: كذلك الرّسل تُبتلى، ثم تكون لها العاقبة، وقوله: {مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم} أي: سُنّتهم، كما قال تعالى: {فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشًا وَمَضَىٰ مَثَلُ الْأَوَّلِينَ} [الزخرف]، وقوله: {وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللهِ} أي: يستفتحون على أعدائهم، ويدعون بقرب الفرج والمخرج، عند ضيق الحال والشدة، قال الله تعالى: {أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ}، كما قال: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}، وكما تكون الشدة ينزل من النصر مثلها، ولهذا قال تعالى: {أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ}". [التفسير].


فكان نصر الله وفرجه بعد البلاء والصبر وهذا واضح جليّ في سيرة الحبيب -صلى الله عليه وسلم-، فمِن مُستضعَف في دعوة سرية بين أهله، إلى دعوة جهرية مع بلاء وتعذيب، إلى فرار بالدين وهجرة ترك فيها الأهل والمال، ثم مواجهة المشركين بفئة قليلة يوم بدر، ثم النصر، ولنا في هذا الدرب موعظة ودليل.




مكة بعد الأحزاب


وقد صارت غزوة الأحزاب مضرب المثل في شدة الضيق والكرب الذي قد يتعرض له المسلم في طريق الجهاد، ذلك اليوم الذي لن تجد له وصفًا أدقّ من هذه الآية: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب]، فما هي إلا سنين قليلة بعدها إلا وقد غزا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة ودخلها فاتحا مكبّرا مع جيشه، ودخل الناس في دين الله أفواجا، فتأمل كيف خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- من مكة مهاجرا مطاردا وكيف عاد إليها فاتحا منتصرا.


وهكذا هو الحال في كل زمان ومكان، فلا يأتي النصر إلا بعد اشتداد المحنة واستحكام الحلقة، فلمّا فقَدَ المسلمون الحيلة أمام الأحزاب، وفُقدت الأسباب المادية، جاء النصر من عند الله وحده.




(وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ)


ومن أمثلة ذلك أيضا، قصة إبراهيم الخليل مع ولده إسماعيل -عليهما السلام- يوم أن ابتلاه الله تعالى أشد ما يُبتلى المرء بأمر، إذْ أمره الله تعالى بأنْ يذبح ولده!، فوافق الولد! وامتثل الوالد! ومضى بسكينه ليحزّ رقبة ولده وفلذة كبده! فوصل الابتلاء إلى آخر لحظة كما قال تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [الصافات] قال ابن كثير: "معنى (وتله للجبين) أي: صرعه على وجهه ليذبحه من قفاه!"، وعندها جاءه الفرج بعد شدة الضيق ومنتهاه! فتأمل.


والناظر في حال أمة الإسلام اليوم وما وصلت إليه من الضيق والشدة، وحال أبنائها المجاهدين الأبرار، المطاردين الفارين بدينهم في البوادي، أو الأسرى القابعين في سجون الطغاة، صامدين فيها صابرين، موقنين بوعد الله ثابتين؛ يعلم أن النصر قريب والفرج آتٍ، فكل بلاء بعده فرج، وكلّ مِحنةٍ بعدها منْحة، وما هذي الحال التي عليها الموحدون اليوم في كل البقاع إلا تهيئة وتربية لهم استعدادا ليوم النصر والفتح، الذي إن لم يشهدوه كلُّهم، سيشهده بعضهم، لكن بعد زلزلة وتمحيص فلا فتح بغير أحزاب، سنة ماضية لم تحاب نبيًا ولم تستثن منهم أحدا ولا حتى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد (387)
الخميس 29 رمضان 1444 هـ
التفريغ من إعداد: موقع إعلام.

الغريب يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الفتح بعد الأحزاب!
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» " عبر من غزوة الأحزاب "

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنارة :: منتديات المنارة الشرعية :: من عبق السيرة والتاريخ-
انتقل الى: