السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسمِ الله الرحمـن الرحيـم
،،
"الرجل يقاتل شجاعة"
جاء في السُّنة المطهرة ضمن صور القتال الباطلة: (الرجل يقاتل شجاعة) أي أنّ طبعه مجبول على الشجاعة فهو يقاتل بها وتغلب عليه، و(يقاتل حميّة) يعني عن قومه ووطنه كما هو حال أغلب قتال "حركات التحرُّر" اليوم، ومع ذلك لم تكن الشجاعة وحدها كافية لتصحيح النية وتزكية القتال أو المقاتل، ما لم يكن في سبيل الله تعالى، نصرة للشريعة ومراغمة لأعدائها.
وبالتالي، فالشجاعة بغير توحيد لا تنفع صاحبها سوى في الدنيا، كقولهم: إنّ فلانا شجاع، وقد قيل! أما في الآخرة فلا اعتبار للشجاعة بدون توحيد صاف وعقيدة سليمة توافق اعتقاد أهل السنة والجماعة الذين ليس منهم بالقطع "الإمام الخميني!" ولا "سوريّة الأسد!" ولا حزب الشيطان "الذي يمثل الشطر الأهم من جند الشام!" بحسب تعبير "جيفارا العرب".
وقد جاء في حديث آخر أورده الإمام البخاري في باب: (إذا بقي حثالة من الناس)، يصف فيه حال آخر الزمان حين تختل موازين الناس، فيتمادحون ويتفاخرون بكل شيء إلا الإيمان، (ويقال للرّجل: ما أعقله وما أظرفه وما أجلده، وما في قلبه مثقال حبّة خردل من إيمان!)، أي يكون الرجل فطنا، فصيحا، وقويا شجاعا وليس في قلبه أدنى درجات الإيمان.
ولذلك أشكل على الناس فهم كيف يُقتل الرجل "شجاعا مُشتبكا" وهو على غير عقيدة التوحيد، بل هو مفارق محادٍّ لها، في صفوف خصومها مواليا لهم مكثّرا سوادهم، مع أن الماضي والحاضر يضجّان بقصص مقاتلين شجعان قاتلوا حتى آخر رمق، لكن في سبل باطلة وتحت رايات جاهلية، وماذا سيفعل عُمّار الجاهلية الثانية، لو رأوا شجاعة وجلد قادة الجاهلية الأولى؟!
وجريا على طريقة المتطفلين على أصول الفقه الهادمين لأصول الشريعة؛ الذين برّروا موالاة الرافضة بـ "انفكاك الجهة" تلبيسا وتضليلا؛ ألا يصح أن يكون في مقتل "الشجاع المشتبِك" هذا "انفكاك جهة"؟! ألا تنفكّ جهة الشجاعة عن جهة صحة التوحيد، فيكون الرجل مقاتلا شجاعا من جهة؛ ناقضا للتوحيد من جهة أخرى؟ أم أنه لا تنفك الجهة عندهم إلا في أسلمة الروافض والترقيع لمحورهم؟!
ومن سوء جريرتهم، فتنوا الناس في دينهم أحياء وأمواتا، فكانت حياتهم فتنة وموتهم فتنة، قعودهم فتنة وقتالهم فتنة، إنه شؤم مسلكهم الذي سلكوه ومسارهم الذي اتبعوه، وكيف يفلح من ارتمى في أحضان الرافضة مدافعا عنهم مفارقا هدي النبوة والصحابة لأجلهم، كيف يفلح من عدّ بشار وأوباشه "جند الشام!" وحزب الشيطان "الشطر الأهم من جند الشام!"، ولا نعرف أحدا من غلاة الفرق الضالة سبق إلى هذا وتجرأ عليه كما فعل هؤلاء، فما أجرأهم على الشريعة وما أصبرهم على النار!
وقد طغى على المشهد لوثة الغلو في الرجل وتقديسه على طريقة الرافضة والمتصوفة، خلافا لطريقة أهل السنة الذين يقدّرون ولا يقدسون، حتى تجرأ سفهاؤهم ودراويشهم على تشبيهه بنبيّ الله موسى -عليه السلام- لِعلّة العصا! وهل فَضُل وعلا مقام موسى بالعصا؟! إنه تقزيم للأنبياء واستخفاف بجناب الشريعة والديانة، وهم في الحقيقة أبعد الناس عن نبي الله موسى، فقد جاء -وسائر الرسل- بالتوحيد ونبذ الشرك، وهؤلاء نبذوا التوحيد ونقضوه وأقروا الشرك وبرروه وهونوه وصرح الولاء والبراء هدموه.
من زاوية أخرى، فالقوم يناقضون أنفسهم، فالإشادة والتفاخر بمقتل رجلهم خارج نفق، يشعرك وكأن الأنفاق التي حفروها مذمة! والموت فيها منقصة! مع أن العشرات منهم قضوا فيها من قبل ومن بعد، وإن تعجب فهناك الأعجب، طار القوم بمشهد مقتل الرجل على هذا النحو، وهو قائد الهرم، وكأنهم أكبروا ذلك عليه أو كانوا يتوقعون خلافه، مع أنه بحسب بثوثهم المرئية، فالعديد من جنودهم قُتلوا على نحو مشابه، فهل كانوا ينظرون إلى قائدهم نظرة دونية أقل من جنودهم؟! ثم أليس في ذلك اعتراف ضمني بأن مقتل غيره من القادة وسط الزحام وليس بين الركام، أو تحت الأرض لا فوقها، أو خارج البلد لا داخلها، أو مقتلهم بملابس مدنية لا عسكرية، أليس كل ذلك يعني -بمفهوم المخالفة-، مذمة وانتقاص لهؤلاء القادة، فإن كان كذلك فيا للتناقض! وإن كان غير ذلك فأين المدهش في المشهد؟
إن كل هذه الأوصاف التي بدرت من القوم ليست شرعية ولا اعتبار لها في الشرع للحكم على الأفراد، ثم إننا طفنا في نصوص الكتاب والسنة وأفهام علماء الملة، فلم نجد أن من قُتل مشتبكا مرتديا بزّته العسكرية حاملا عصاه جالسا على أريكته... لم نجد أن من قتل على هذه الحالة فقد سلِم مذهبه وصحّ معتقده، إنها تبعات طوفان الانحراف في العقيدة، وطغيان العاطفة على الشريعة.
وإن منهج الاسلام في الحكم على الأفراد والجماعات صحة أو بطلانا؛ لا يعتمد على ما تبثه القنوات أو تحجبه، ولا على ما تحبه الجماهير أو تبغضه، بل يعتمد على ميزان الشرع العدل، فما حكم له الشرع بالصحة فهو الصحيح، وما حكم له بالبطلان والفساد فهو كذلك، ولو جاءت بضده كل بثوث الأرض وشعوبها.
والقضية برمتها ناجمة عن انعدام ميزان الشرع عند القوم في الحكم، فيحكمون على الأشياء ليس اعتمادا على الكتاب والسنة، وإنما تبعا لما تقره الكثرة أو الإعلام أو الرأي العام أو حتى "الترند"، فهذا الأخير صار من مصادر الفقه والتشريع!! والتصحيح والتقبيح عند الناس، بل حتى عند بعض فقهاء الضلالة الذين أطلوا علينا بفقه جديد "يساير حركة الجماهير ولا يصطدم مع فطرتها!" وهل يصادم الشرع إلا فطرة مشوّهة وشذوذ؟
ولقد برز "فقه الترند" هذا في تناقض موقف بعض دعاة الضلالة الذين حكموا على الرجل في حياته بالانحراف، ثم لمّا اصطدموا بـ "ترند الجماهير" وعاطفتها الجياشة أمام شاشة البث؛ غيّروا موقفهم وحكمهم مسايرةً لحركة الشعوب بعيدا عن الشريعة ومسارها.
وإنّ ما ينشرح له الصدر في مثل هذه القضايا وكل القضايا، هو العودة إلى ميراث النبوة في الكتاب والسنة، فما أقرّاه وصحّحاه فهو الصحيح، وما أنكراه وأبطلاه فهو الباطل، والشرع يقرر أن القتال في سبيل الله لإعلاء كلمته ونصرة توحيده هي الغاية الصحيحة المحمودة، وتبعا لهذه الغاية يكون القتل في سبيل الله، وبغيابها يكون في سبيل الطاغوت.
إنّ بلية القوم اليوم في دينهم بحق، ولقد كان يتملكنا العجب ونحن نقرأ وندارس حديث ابن عباس: (أي عرى الإيمان أوثق؟ الموالاة في الله والمعاداة في الله والحبّ في الله والبغض في الله)؛ فنستغرب لماذا احتلت هذه العروة بالذات سدة العرى وسُلّم الإيمان، حتى عشنا هذا الزمان الذي نقض فيه القوم هذه العروة، ففعلوا الأفاعيل وصار الكفار حلفاء وأولياء وشهداء على طريق القدس، وصار "جيفارا" بطلا مُلهِما! و"الخميني" إماما! والمجاهد الحق "خارجيا" لا ينفع معه "انفكاك جهة" ولا عذر ولا تأويل.
وإنه لا شيء أجدى بطول تعاهُد وعناية من باب الولاء والبراء، فإن الأمة اليوم قد أوتيت من هذا الباب، فتعاهدوه أيها المصلحون ورمِّموا ما انهدم منه، وشيِّدوا صرحه وشدّوا وثاقه وأحكِموا عروته، فإنه بحق أوثق عرى الإيمان.
نقلاً عن صحيفة النبأ - العدد 466
الخميس 21 ربيع الآخر 1446هـ