المنارة
المنارة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


مشكاة هداية ونور في دياجير الظلام
 
الرئيسيةس .و .جالتسجيلدخول

 

 {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ}

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مسلمة

مسلمة


تاريخ التسجيل : 15/06/2021

{إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ} Empty
مُساهمةموضوع: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ}   {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ} I_icon_minitimeالسبت فبراير 10, 2024 2:28 am

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسمِ الله الرحمـن الرحيـم
،، 
افتتاحية صحيفة النبأ - العدد (426)
الخميس 6 رجب 1445 هـ
***


{إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ}


إنّ أحسن ما تعالج به أمراض الأمة منهاج ربها وهدي نبيها -صلى الله عليه وسلم-، وأول طرق علاج هذه الأمراض تحديد أصول هذه الأدواء ومكامنها، وقد ذكر لنا ربنا جل وعلا داءً أقعد كثيرا من الناس عن الأخذ بالحق والعمل به، ألا وهو داء الترف والركون إلى العيش الرغيد وتقديم لذة النفس وشهوتها، فتلك سيما أهل النار والعياذ بالله، وقد قال الله فيهم: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُتْرَفِينَ}، قال ابن كثير رحمه الله: "أي كانوا في الدار الدنيا منعمين مقبلين على لذات أنفسهم لا يلوون ما جاءتهم به الرسل".


إن الترف كثيرا ما يؤدي بأهله إلى الفسق أو الكفر بالله العظيم؛ وقد قال سبحانه: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}، فتأمّل كيف أن المترفين سبب من أسباب دمار الأمم وكيف أن نفوسهم مستعدّة لإجابة داعي الشيطان والانجراف نحو ما يريد من الفسق والكفر وغضب المولى سبحانه، فهم أسرع الناس تكذيبا للرسل ومحاربة للحق، ونظير ذلك قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ}، وقوله تعالى: {وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ}.


لقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه بعيدين عن حياة الترف، فغالب حياتهم في شظف العيش وشدة الجهاد، ربطوا الأحجار على بطونهم من الجوع وأكلوا ورق الشجر وتقطّعت أحذيتهم من طول المشي في غزو الكفار، فقد كانوا يجاهدون مشيا على الأقدام وربما يتعاقب ستة منهم على بعير واحد، وقد تركوا من سيَرهم أمثلة لمن أراد الآخرة بأن يسعى لها سعيها ولا ينغمس بما في الدنيا من ملذات.


أما أهل الترف فإنهم ملتصقون بما في الدنيا من متاع، راكنون إليها مطمئنون فيها، قد أثقلتهم الشهوات أن تسمو أرواحهم لما في الدار الآخرة من نعيم مقيم، ومنعتهم أن يستجيبوا لأمر الله لما يحييهم، فالترف من أكبر عوائق الجهاد لدى كثير من المسلمين اليوم، بل حتى خواصهم ممن يعلم دين الله ووجوب الجهاد في سبيله، لا تطاوعه نفسه أن يعيش في صحراء أو شعاب أو غابات أو أن يكون في غبراء الناس غريبا في الأرض شريدا مطاردا لأجل الحق وفي سبيل مرضاة الله تعالى، تلك هي العقبة الشيطانية التي تقحّمها المجاهدون الذين تغلبوا على حظوظ النفس وشهواتها؛ فوجدوا بعدها الرزق الطيب والهناء وراحة البال وعاشوا في جنة الدنيا، بما لاقوه من سعادة في صدورهم، ثم ما أتاهم من نصيب الدنيا وهي راغمة.


لقد كان الترف قديما وحديثا عاملا رئيسا في القعود والجبن وتقديم الدنيا على الآخرة؛ ولذلك قال الله تعالى معاتبا المؤمنين بتركهم الجهاد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ}، قال ابن كثير: "أي إذا دعيتم إلى الجهاد في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أي تكاسلتم وملتم إلى المقام في الدعة والخفض وطيب الثمار، {أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة} أي ما لكم فعلتم هكذا أرضىً منكم بالدنيا بدلا من الآخرة؟ ثم زهّد تبارك وتعالى في الدنيا، ورغب في الآخرة فقال: {فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل}".


إن العبد الذي يصبر عن الانغماس في ملذات الدنيا يجازيه الله تعالى باللذة بالطاعة حتى لو كان ظاهرها شديدا على نفوس المترفين، وقد جاء عن السلف الروايات الكثيرة التي تصوّر حالهم وتبيّن كيف أن أحدهم يلتذّ بقيام الليل ساعات طوال مع أنه يحرمه الرقاد وفيه ما فيه من المشقة، ويلتذّ بالجهاد في سبيل الله مع أنه يورده موارد الخوف والموت، وتأمل ما قال خالد بن الوليد رضي الله عنه: "مَا مِنْ لَيْلَةٍ يُهْدَى إِلَيَّ فِيهَا عَرُوسٌ أَنَا لَهَا مُحِبٌّ، أَوْ أُبَشَّرُ فِيهَا بِغُلَامٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ لَيْلَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ كَثِيرَةِ الْجَلِيدِ فِي سَرِيَّةٍ أُصَبِّحُ فِيهَا الْعَدُوَّ"، فصارت نفوسهم تتعب بالراحة وترتاح للتعب في سبيل الله تعالى.


إنّ من مفاسد انغماس المسلمين في الدنيا والترف، ألا ينصر بعضهم بعضا في قضاياهم، إذ يُصاب بعض المسلمين بهجمة عدو، فلا ينصره أخوه خشية ذهاب دنياه عليه أو حظر اسمه من قبل الطواغيت، وإن حرّكه دافع الدين لنصرته أقعدته دواعي الدنيا فخذله! فالذي غمس نفسه في الترف إن رأى مجازر المسلمين ونكباتهم لن يتجاوز سقفُ نصرته لهم كتابةَ استنكار أو تذمّر، وأكثر ما يكون خروجا في مظاهرة! ثم يعود بعدها إلى الانغماس فيما كان فيه من ملذات الدنيا.


فعلى هؤلاء المترفين من المسلمين، أن يحذروا ما هم فيه من فتنة، وأن يضعوا نصب أعينهم جراحات المسلمين، وأن يتذكروا أنه ما زالت السجون مكتظة بآلاف الأسارى والأسيرات من إخوانهم وأخواتهم، وأن دماء المسلمين تهراق في كل مكان، وحرماتهم تنتهك في طول الأرض وعرضها، فهل نافعهم غدا تقديمهم العيش الرغيد في الدنيا؟! وهل سيجدون مخلصا من السؤال بين يدي الله يوم القيامة؟!


إن العبد إذا صدق مع ربه تعالى، وأدرك حقيقة الوقوف بين يدي الله وشدة العذاب وعِظم المسؤولية عن دماء المسلمين وألا مفرّ له ولا مناص من ذلك؛ هان بين يديه كل ما يزينه له الشيطان من حطام هذه الدنيا، وسمت نفسه إلى معالي الجنان، وشدّ ركابه إلى ساحات الوغى مشمّرا، {وَلِله عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}.
.........................
التفريغ من إعداد: موقع إعلام.

الغريب يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
{إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ}
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنارة :: منتديات المنارة العامة :: القسم العام-
انتقل الى: