المنارة
المنارة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


مشكاة هداية ونور في دياجير الظلام
 
الرئيسيةس .و .جالتسجيلدخول

 

 " عباد الرحمن "

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مسلمة

مسلمة


تاريخ التسجيل : 15/06/2021

" عباد الرحمن " Empty
مُساهمةموضوع: " عباد الرحمن "   " عباد الرحمن " I_icon_minitimeالأحد ديسمبر 17, 2023 6:54 pm

بسم الله الرحمن الرحيم
***


" عباد الرحمن "


هدى الله العباد النجدين، فبيَّن لهم طريق النار وما يقود إليه من اعتقاد أو قول أو عمل ليجتنبوه، كما بيَّن لهم طريق الجنة وما يقود إليه ليسلكوه، وتبعًا لذلك أوضح سبحانه صفات أتباع الشيطان وأوليائه، كما أوضح صفات عباد الرحمن وأوليائه، مدحا لهم وحثا على الاتصاف بصفاتهم، وفرقانا وتمييزا لهم عن أهل الزيغ والضلال.


وقد بسط الله تعالى في سورة الفرقان أهم صفات عباد الرحمن، وأضافهم لاسمه تشريفا لهم ولفتا لانتباه المتدبرين لأهمية صفاتهم، فكان أول ما ذكر تعالى من صفاتهم أنهم: {يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا…}، متواضعين غير متكبرين ولا متجبرين، يخفضون جناحهم للمؤمنين، يظهر عليهم السكينة والوقار التي تعكس ما يحملونه بين جنبيهم من نور الإيمان والطاعة، والذي ألبسهم هذه الهيبة الظاهرة عليهم، بلا تكلف ولا تصنع.


ولذلك فهم لا ينزلون لمستوى المستفزين المسيئين، فهم إذا {خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}، فإذا تعرضوا لجهل الجاهلين وإساءة المسيئين فإنهم يقابلون ذلك بالتجاهل، لأنهم يربأون بأنفسهم عن سفاسف الأمور، ذلك أن إيمانهم يملي عليهم أن يترفعوا عن ذلك الدون، فلا يضيعون فيه أوقاتهم ولا يشغلون فيه شيئا من فكرهم.


كما ذكر الرحمن سبحانه أيضا من صفات عباده أنهم: {يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا}، فلا يُسلمون أجسادهم للذة النوم على الفرش، فهم في جدّ واجتهاد حتى تحصيل المراد بدخول الجنة آمنين، ذلك أنهم في الدنيا يسكنهم الخوف من عذاب الله حتى يمنعهم من النوم، فتراهم {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا}، وتجدهم {يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا}، ومن رحمة الله الرحيم أنه مقابل هاجسهم المتواصل من عذابه، وحرمان أنفسهم من لذة النوم وراحة الجسد، قد عوضهم عنها بلذة مناجاته والقرب منه والأنس به، وانشراح صدورهم وإن فاتهم من متاع الدنيا ما فات، فالجزاء من جنس العمل.


وتواصل آيات الله الكريم ذكر صفاتهم، وتذكر أنهم: {إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا}، فلا إسراف في إنفاقهم ولا تقتير، قال ابن كثير: “ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون في حقهم فلا يكفونهم، بل عدلا خيارا، وخير الأمور أوسطها" [التفسير]، وهكذا هي الوسطية العادلة وهي سمة عامة لما ينبغي أن تكون عليه هذه الأمة في كل شؤونها، في العبادات والمعاملات، في السلم والحرب، والحضر والسفر، فلا إفراط عندهم ولا تفريط، بل وسطية على منهاج النبوة، لا على منهاج الزائغين الذين هم بين غالٍ مُفْرِط ومميّع مفرّط، والموفق من وفّقه الله وهداه، وأثبته على رشده وهُداه.


{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَٰهًا آخَرَ..}، وهي الصفة الأهم لعباد الرحمن، فإن لم تتحقق هذه الصفة فلا قيمة لسائر الصفات الأخرى، فعباد الرحمن لا يصرفون شيئا من عباداتهم لغير ربهم، لا يتوكلون إلا عليه، ولا يلجأون إلا إليه، ولا يحكّمون في حياتهم إلا شريعته، ولا يسوسون دنياهم بغير دينه سبحانه، ودون تلك العبادات يبذلون أعمارهم وأموالهم وأنفسهم، وهذا البذل هو من تلك العبادة أيضا، مضبوطة بالإخلاص والموافقة لشرع الله تعالى، ثم ذكر الله الحكيم من صفاتهم: {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ..}، فالنفوس المحرمة بحق الله ووفقا لشرعه: معصومة من القتل عندهم، فإن استحقت القتل -وفقا للحقّ ذاته- أزهقوها طاعة لمولاهم، غير مبالين بما يقال عنهم، فشرع ربّهم أولا وكل الذي فوق التراب تراب.


ثم بعد أن نفى عنهم الشرك والقتل المحرّم قال عنهم: {…وَلَا يَزْنُونَ}، فهم أطهار من هذه الأدران الثلاثة في الآية، والتي حذّر منها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما روى البخاري عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "سَأَلْتُ -أوْ سُئِلَ- رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: أيّ الذّنب عند اللّه أكبر؟ قال: أن تجعل للّه ندّا وهو خلقك، قلت: ثمّ أيّ؟ قال: ثمّ أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قلت: ثمّ أيّ؟ قال: أن تزاني بحليلة جارك. قال: ونزلت هذه الآية تصديقا لقول رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ}".


وتكمل الآيات سرد صفاتهم فتقول: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا}، فهم فضلا عن قول الحرام والعمل به فإنهم لا يحضرون مواطنه أصلا، وينأون بأنفسهم عنه فلا يشهدونه، لأن نفوسهم تأبى أن تتلوث بالاقتراب منه، وهكذا هم لو مروا بمجالس اللغو والسفه، أو مجتمعات الجدال الفارغة، فإنهم يكرمون أنفسهم عن أن تتدنس بها، وفي المقابل فهم إذا سمعوا آيات ربهم، فإنهم يستمعون وينصتون، ويتوقفون ويتدبرون، فقد قال تعالى عنهم: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا}، قال ابن كثير: “أي: بخلاف الكافر الذي ذكر بآيات ربه، فاستمر على حاله، كأن لم يسمعها أصم أعمى”. [التفسير]


ثم يختم تعالى ذكر صفاتهم بقوله: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}، ذلك أنهم لا يحبون الهداية لأنفسهم وحسب، فيسألون ربهم أن يهبهم من الذريات الصالحة ما تقر به أعينهم من صلاحها، ويسألونه كذلك أن يكونوا قدوات حسنة يقتدي بها الناس فينصلح حالهم، فهم صالحون مصلحون، هداة مهديون، ولا عجب، فالصلاح يقتضي الإصلاح، لا التقوقع على النفس وترك الناس وشأنهم.


إن صفات عباد الرحمن هذه لا بد من التذكير بها في هذا العالم الذي يموج بعبّاد الشيطان، الذين ملؤوا حياة المسلمين وأشغلوهم عن دينهم، وهذا التذكير ليس للعلم المجرد من العمل، بل هي حض على الارتقاء بالنفس واستكمال ما أمكنها من تلك الصفات، خصوصا وأن العبد لا يدري متى يداهمه الموت، فهو محاط بأسبابه من كل اتجاه، ولو ظن غير ذلك! فحريّ بمن هذا حاله أن يتفقد نفسه ويستعد للرحيل كل حين، والحمد لله رب العالمين.
........................
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد (413)
الخميس 4 ربيع الآخر 1445 هـ
التفريغ من إعداد: موقع إعلام.

الغريب يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
" عباد الرحمن "
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنارة :: مكتبة المنارة :: قسم التزكية والرقائق-
انتقل الى: