المنارة
المنارة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


مشكاة هداية ونور في دياجير الظلام
 
الرئيسيةس .و .جالتسجيلدخول

 

 {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً}

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مسلمة

مسلمة


تاريخ التسجيل : 15/06/2021

{وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً} Empty
مُساهمةموضوع: {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً}   {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً} I_icon_minitimeالجمعة أغسطس 18, 2023 5:41 pm

بسـم الله الرحمـن الرحيـم
***
{وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً}


خلق اللهُ الخلق لإفراده بالعبادة توحيدا وتعظيما له سبحانه وتعالى، وهداهم النجدين وترك لهم الاختيار فقال تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان]، وبعد أنْ أعطاهم الخيار أخبرهم عاقبة كل سبيل؛ إما إلى نعيم مقيم أو عذاب مقيم، فما زال الناس في الدنيا يتراوحون بين هذا وذاك حتى تختم حياتهم على أحد الطريقين، والمرء يموت على ما عاش عليه، وطريق الحق بيّن واضح لمن هداه الله له فما زال العبد يتبع سبيل الحق حتى يصل، وكلما تقرب إلى الله بالطاعات قرّبه الله إليه أكثر، وهذا معنى الحديث القدسي: (وإن تقرّب إليّ بشبر تقرّبت إليه ذراعا، وإن تقرّب إليّ ذراعا تقرّبت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة). [البخاري]




منازل الناس يوم القيامة


ومعلوم أن الناس يتفاوتون في أعمالهم وطاعاتهم كما بينّ الله تعالى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ}، ومنهم الطائع ومنهم العاصي، ومنهم المؤمن ومنهم الكافر، ولأجل هذا التفاوت والاختلاف في الأعمال في الدنيا، كان من العدل الاختلاف في الجزاء والدرجات يوم القيامة، سواء بين المسلم والمسلم، أو المسلم و الكافر أو بين الكافر والكافر.


ولذا فالناس يوم الحساب والعرض على الله تعالى ثلاث منازل كما قال تعالى: {وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [الواقعة]


قال الطبري رحمه الله: "القول في تأويل قوله تعالى: (وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً) يقول تعالى ذكره: وكنتم أيها الناس أنواعا ثلاثة وضروبا… عن قتادة (وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً) قال: منازل الناس يوم القيامة" [التفسير].


فأصحاب اليمين يأخذون كتابهم بيمينهم يوم القيامة، وأصحاب المشأمة يأخذون كتابهم بشمالهم والعياذ بالله، أما السابقون فقد سبقوا غيرهم في الدنيا والآخرة في العمل والجزاء.




السابقون السابقون


فأولى هذه المنازل هي منزلة السابقين، وهم الذين سبقوا غيرهم في الطاعات والقربات، وكانوا يسارعون في الخيرات في حياتهم الدنيا امتثالا وطاعة لأمر الله تعالى: {سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ}، فسبقوا الناس في الآخرة في الدرجات وحازوا أعلى المنازل في الجنات وكانوا من المقربين للرحمن، قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} فالسابقون في هذه الدنيا هم السابقون في الآخرة، قال ابن كثير: "فإن المراد بالسابقين هم المبادرون إلى فعل الخيرات كما أمروا، كما قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ)، وقال: (سَابِقُوۤا۟ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ)، فمن سابق إلى هذه الدنيا وسبق إلى الخير، كان في الآخرة من السابقين إلى الكرامة، فإن الجزاء من جنس العمل". [التفسير]


فأصحاب هذه المنزلة فازوا وحازوا السبق يوم القيامة، لأنهم كانوا يسابقون في هذه الدنيا إلى الآخرة الباقية، في الوقت الذي كان فيه أكثر الناس يتسابقون ويتناطحون على الحياة الفانية.




جِنان السابقين وأهل اليمين


ومِن تفاوت الدرجات بين المؤمنين أيضا، التفاوت بين منزلة السابقين، ومنزلة أصحاب اليمين، حيث بيّن الله سبحانه وتعالى في سورتي الواقعة والرحمن مآل أصحاب المنزلتين مع أن كليهما في النعيم المقيم، وأبان الفرق بين جنتيهما فقال جل جلاله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} هنا الجنتان المقصود بهما هو جنتا المقربين.


أما أصحاب اليمين فقد قال سبحانه عن جنّتيْهم: {وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ}، قال ابن كثير: "هاتان الجنتان دون اللتين قبلهما في المرتبة والفضيلة والمنزلة بنص القرآن.. وقد تقدم في الحديث: (جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما) فالأوليان للمقربين، والأخريان لأصحاب اليمين". [التفسير].


ولما كانت جنان المقربين تختلف عن جنان أهل اليمين، فقد جاءت أوصافهما مختلفة أيضا، فقد قال تعالى في وصف عيون الماء في جنّتي السابقين المقربين: {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ}، وقال عن جنتي أصحاب اليمين: {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} والمعنى كما قال ابن عباس: "أي فياضتان، والجري أقوى من النضخ" [تفسير ابن كثير]


أما الفاكهة، فقد قال تعالى في وصف فاكهة جنّتي المقرّبين: {فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ}، فيما قال سبحانه في فاكهة جنّتيْ أهل اليمين: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ}، فأثبت وجود الفاكهة هنا لكنها ليس من نوع زوجين كما في الأوليين، قال ابن كثير موضحا هذا الفرق: "وقال هناك: (فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ)، وقال هاهنا: (فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ)، ولا شك أن الأولى أعم وأكثر في الأفراد والتنويع على فاكهة" [التفسير]


وفي الأفرشة فروق كذلك، فقد قال تعالى عن جنان المقربين: {مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ}، فوصف الباطن وسكت عن الظاهر ليقول لك إن كان الباطن من الإستبرق وهو الغليظ من الديباج فكيف الظاهر؟! وهو من باب الأولى والأحرى، وقال عن الثانية: {مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} والفرق واضح بينهما.


أما الفرق في وصف نساء الجنة، فقد قال تعالى عن نساء جنان المقرّبين: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ}، وقال عن جنتي أصحاب اليمين: {حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ}، قال ابن القيم رحمه الله: "ووصفهن بأنهن (مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ) أي: ممنوعات من التبرج والتبذل لغير أزواجهن، بل قد قُصِرْن على أزواجهن، لا يخرجن من منازلهم، وقَصَرْنَ عليهم فلا يردن سواهم، ووصفهن سبحانه بأنهن (قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ) وهذه الصفة أكمل من الأولى" [روضة المحبين].


ثم ختم الله كلامه تعالى عن المقربين فقال: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}، قال ابن كثير:"وتمام الخاتمة أنه قال بعد الصفات المتقدمة: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) فوصف أهلها بالإحسان وهو أعلى المراتب والنهايات، كما في حديث جبريل لما سأل عن الإسلام، ثم الإيمان، فهذه وجوه عديدة في تفضيل الجنتين الأوليين على هاتين الأخريين، ونسأل الله الكريم الوهاب أن يجعلنا من أهل الأوليين" [التفسير].




أصحاب الشِّمال


وكما ذكر الله أصحاب الجنة والتفاوت بينهم في الدرجات؛ ذكر كذلك أصحاب النار وحالهم والتفاوت بينهم في الدركات، فقال تعالى عن المنافقين: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}، كما بيّن النبي صلى الله عليه وسلم في غير مكان أن أبا جهل وأبا لهب وفرعون وهامان في قعر النار وأنهم أشد الناس عذابا، قال الله تعالى عن فرعون: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ}، قال ابن كثير: "قال تعالى: (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) وكذلك شأن المتبوعين يكونون موفرين في العذاب يوم المعاد، كما قال تعالى:(قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ)، وقال تعالى إخبارا عن الكفرة أنهم يقولون في النار: (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا) 
[التفسير].


وذكر الله بعضا من أحوال أهل النار في سورة الواقعة فقال عنهم: {فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ * لَّا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ} واليحموم قيل الدخان الأسود.


وكما وصف ربنا -سبحانه وتعالى- طعام أهل الجنة، وصف كذلك طعام أصحاب الشمال فقال: {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ}، وقد وصفت الشجرة في آيات أخر أن طلعها كأنه رؤوس الشياطين، ولن يكتفوا بالأكل منها بل ستمتلئ بطونهم منها والعياذ بالله.


ثم ما هو شرابهم إن كان هذا طعامهم؟! قال تعالى: {فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ}، روي عن عكرمة أنه قال: "الهيم الإبل المِراض تمصُّ الماء مصًا ولا تروى" [تفسير ابن كثير].




اختر طريقك


وقد أخبر الله تعالى عن جزاء هذه المنازل فقال سبحانه: {فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ} يبَشَّر بها عند الموت، وما أحسن هذه البشرى؟! وأما إن كان من أصحاب اليمين فيُبشَّر بالسلام الذي لا خوف بعده، كما قال تعالى: {وَأَمَّا إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ}.


وعلى النقيض تماما، بيّن سبحانه عقاب الكافرين المكذبين فقال تعالى: {وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ}، عافانا الله تعالى من سوء المنقلب.


ولا شك أننا لم نستطرد في نقل كل أوصاف وتفاصيل التفاوت بين منازل المؤمنين في النعيم، ومنازل الكافرين في الجحيم، ومن أرادها فهي مبسوطة مستفيضة في كتب التفاسير المعتبرة والسنة الثابتة، لكن الغاية من طَرْق هذا الموضوع هو الموعظة والتذكير، ليختار العبد طريق الهداية والرشاد الذي يوصله إلى أعلى الدرجات، ويحذر من سلوك طرق الغواية والضلالة التي تنزله إلى أدنى الدركات والعياذ بالله.


وختاما، نسأله تعالى أن يبلغنا الجنة وما قرّب إليها من قول أو عمل، وأن يجيرنا من النار وما قرّب إليها من قول أو عمل، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد (402)
الخميس 16 محرم 1445 هـ
التفريغ من إعداد :موقع إعلام.

الغريب يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
{وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً}
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنارة :: مكتبة المنارة :: قسم التزكية والرقائق-
انتقل الى: