المنارة
المنارة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


مشكاة هداية ونور في دياجير الظلام
 
الرئيسيةس .و .جالتسجيلدخول

 

 السكينة.. مواطنها وأسباب نزولها

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مسلمة

مسلمة


تاريخ التسجيل : 15/06/2021

السكينة.. مواطنها وأسباب نزولها Empty
مُساهمةموضوع: السكينة.. مواطنها وأسباب نزولها   السكينة.. مواطنها وأسباب نزولها I_icon_minitimeالخميس أغسطس 10, 2023 8:38 am

بسـم الله الرحمـن الرحيـم
***


السكينة.. مواطنها وأسباب نزولها


السكينة: أصلها من السكون، وهو ضد الحركة والاضطراب، وتطلق على الوقار الظاهر أيضا، كخشوع الجوارح في الصلاة والمشي الوقور نحوها كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: 
(إذا أُقيمت الصلاة فلا تأتوها تَسْعون، وأتوها تمشون عليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتمّوا). [متفق عليه]، كما تطلق على الطمأنينة في القلب والانشراح والارتياح بزيادة الإيمان، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (ما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده). [رواه مسلم].


أما سكينة القلب في حال وقوع أسباب الخوف والاضطراب فهي منحة ربانية، تتنزل على عباد الله الصالحين، تسكّن قلوبهم فتمنعها من الخوف والقلق، وتبدلها عند النوازل ثباتا ويقينا وإيمانا، قال ابن القيم: "وأصل السّكينة هي الطّمأنينة والوقار، والسّكون الّذي ينزله اللّه في قلب عبده، عند اضطرابه من شدّة المخاوف، فلا ينزعج بعد ذلك لما يرد عليه، ويوجب له زيادة الإيمان، وقوّة اليقين والثّبات". [مدارج السالكين]


فعند اشتداد الخطوب واضطراب القلوب يمنّ الله الرحيم بالسكينة على عباده، فهي من رحمته سبحانه بهم وتدبيره تعالى لهم، وهي مهمة في العبادات عموما وفي الجهاد على وجه الخصوص لأنها سبب في ثبات المجاهد فيطمئن قلبه ويواصل دربه.




من مواطن السكينة يوم حُنين


وقد وردت السكينة في مواطن عدة من كتاب الله، فعند ذكره تعالى لغزوة (حُنَين) التي لم يثبت فيها بعد الإعجاب بالكثرة ثم زلزلة القلوب إلا عدد قليل من الصحابة -رضي الله عنهم- من أصل ألوف شاركوا في تلك الغزوة؛ أنزل الله سكينته على الثابتين حول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الميدان، قال تعالى: {ثُمَّ أَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ}، فانقلبت الهزيمة بعد ذلك نصرا، حين أنزل الله على الثابتين سكينته وجنوده وعذب بهم الذين كفروا.




يوم الهجرة


وفي موطن من مواطن الشدة الكثيرة التي مرت بأهل الإسلام، يطارد المشركون النبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه الصديق رضي الله عنه، فيلجآن إلى غار في جبل من الجبال، فيقتفي أثرهما المشركون، ويصلون للغار، فيذكر الله تعالى إنزاله السكينة في موطن الخوف هذا، قال سبحانه: {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا..} [التوبة]، وهكذا يؤيد الله بالسكينة عباده الصالحين، فينزلها عليهم في مواطن الخوف لينقلب الحال إلى انشراح واطمئنان، ويزداد المؤمنون بها إيمانا مع إيمانهم، كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ..}. [الفتح]




يوم البيعة


ومن مواطن نزولها أيضا، ما ذكره الله تعالى عن المسلمين المبايعين على جهاد المشركين، وذلك لما جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- البيت الحرام معتمرا، وأرسل عثمان رضي الله عنه لهم قبل وصوله، ثم جاء خبر مفاده أن عثمان قد قتل، فتأهب المسلمون لمناجزة المشركين، وتجمعوا تحت الشجرة وبايعوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الجهاد، فأنزل الله تعالى في ذلك قوله: {لَّقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح]، فلما علم الله صدقهم وثباتهم على أمره أنزل السكينة على قلوبهم وأثابهم فتحا قريبا بعد ذلك.




يوم الحديبية


وليست السكينة في مواطن الخوف فقط، بل ينزلها الله تعالى في كل موطن يضطرب فيها قلب المؤمن الصادق الإيمان، فيشرح الله بها قلبه لأوامره وإن كانت خلاف ما يراه من مصلحة عاجلة، وتأمل موقف المسلمين وهم يفاوضون وفدا من المشركين في صلح الحديبية، وكان في وفد المشركين من حمية الجاهلية ما حملهم على فرض شروط استفزت بعض المسلمين، قال تعالى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الفتح]، فنزلت السكينة على المؤمنين لتنشرح صدورهم لما أراد الله لهم من خير وفتح قريب، وإن كان في ظاهره شرا لهم.




أسباب نزول السكينة


ولتحصيل السكينة أسباب عديدة ويأتي في أولها الإخلاص لله تعالى وتنقية القلب من كل الشوائب التي تبطل النية لقوله تعالى: {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ} أي علم ما في قلوبهم من الإخلاص.


ومن أسباب نزول السكينة على العباد هو الصبر والتسليم لأمر الله تعالى في كل حال، وقد تقدم كيف أنزلها الله تعالى على الثابتين في وقت المحن.


ومن أسبابها أيضا الدعاء؛ ففي حال خوف العدو يسأل العبدُ ربه أن ينزل السكينة على قلبه، كما دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة الخندق، فقد جاء في صحيح البخاري عن البراء ابن عازب رضي الله عنه قال: "لمّا كان يوم الأحزاب، وخندق رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-، رأيته ينقل من تراب الخندق، حتّى وارى عنّي الغبار جلدة بطنه، وكان كثير الشّعر، فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة وهو ينقل من التّراب يقول:


"اللّهمّ لولا أنت ما اهتدينا
ولا تَصَدَّقْنَا ولا صَلَّينا
فأنزِلنْ سكينةً علينا
وثبِّت الأقدام إنْ لاقينا".


ومن أسباب نزول السكينة على القلب قراءة القرآن وتدبر آياته، وخصوصا الآيات التي جاء فيها ذكر السكينة، ففي قراءتها سكون القلب وطمأنينته، قال ابن القيم: "كان شيخ الإسلام ابن تيميّة -رحمه اللّه- إذا اشتدّت عليه الأمور: قرأ آيات السّكينة، وسمعته يقول في واقعة عظيمة جرت له في مرضه، تعجز العقول عن حملها -من محاربة أرواح شيطانيّة، ظهرت له إذ ذاك في حال ضعف القوّة- قال: فلمّا اشتدّ عليّ الأمر، قلت لأقاربي ومن حولي: اقرءوا آيات السّكينة، قال: ثمّ أقلع عنّي ذلك الحال، وجلست وما بي قلبة" ثم قال رحمه الله: "وقد جرّبت أنا أيضا قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب بما يرد عليه، فرأيت لها تأثيرا عظيما في سكونه وطمأنينته" [مدارج السالكين]، وقد قال البراء بن عازب رضي الله عنه: "كان رجل يقرأ سورة الكهف وعنده فرس مربوط بشطنين (أي حبلين)، فتغشّته سحابة فجعلت تدور وتدنو وجعل فرسه ينفر منها. فلمّا أصبح أتى النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- فذكر ذلك له فقال: (تلك السّكينة تنزّلت للقرآن)" [متفق عليه]


ومن أسبابها كذلك، الالتزام بالوقار في العبادات، امتثالا لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد كان من هديه عليه الصلاة والسلام أنه يأمر بالسكينة في العبادات وعدم الاستعجال بها، فالسكينة في الجوارح من أسباب نزول السكينة على القلب، وقد تقدّم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر المسلمين بالمشي للصلاة وعليهم السكينة، وأمرهم كذلك بالمشي في سكينة في الحج، فقد روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه: "أنّه دفع مع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يوم عرفة، فسمع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وراءه زجرا شديدا، وضربا وصوتا للإبل، فأشار بسوطه إليهم، وقال: (أيّها النّاس، عليكم بالسّكينة؛ فإنّ البرّ ليس بالإيضاع)"، والإيضاع هو أن تُكلّف الدابة بالإسراع في المشي، ومثل ذلك الأمر بخشوع الجوارح وسكونها في الصلاة والدعاء وقراءة القرآن وغيرها من العبادات، والمقصود هو أن سكينة الجوارح من أسباب حصول سكينة القلب.


ومن أسبابها أيضا، الرضا بأقدار الله تعالى، قال ابن القيم: "الرّضا ينزل عليه السّكينة الّتي لا أنفع له منها، ومتى نزلت عليه السّكينة: استقام، وصلحت أحواله، وصلح باله. والسّخط يبعده منها بحسب قلّته وكثرته. وإذا ترحّلت عنه السّكينة ترحّل عنه السّرور والأمن والدّعة والرّاحة، وطيب العيش. فمن أعظم نعم اللّه على عبده: تنزّل السّكينة عليه. ومن أعظم أسبابها: الرّضا عنه في جميع الحالات". [مدارج السالكين]




في طريق الجهاد


ولما كان المجاهدون في طريق حُفَّ بالمكاره يُبتلون فيه بشيء من الخوف والزلزلة؛ كانت السكينة ملازمة لازمة لهم، فيُنزلها الله عليهم حتى يُذهب بها خوفَهم ويُيسّر لهم مناجزة عدوهم، ومن أمثلتها: النعاس الذي يغشى المجاهدين وهم قبالة عدوهم، فهذا موطن خوف، تُقبل فيه النفس على ما قد يكون فيه هلاكها، لكن الله الكريم يذهب ذلك الخوف بتلك الطمأنينة، وقد نزل النعاس بالصحابة وهم في مثل هذا الحال، كما ذكر الله تعالى عنهم في غزوة بدر حيث قال: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ} [الأنفال]، وأنزل عليهم النعاس سكينة من عنده تعالى في غزوة أحد أيضا، حيث قال سبحانه: {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنكُمْ..} [آل عمران]، وقد ذكر هذا النعاس أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه بقوله: "كنت فيمن تغشّاه النّعاس يوم أحد حتّى سقط سيفي من يدي مرارا؛ يسقط وآخذه، ويسقط فآخذه" [البخاري]، فتأمل هذه السكينة العجيبة في هذه المواقف العصيبة، وكيف تحوِّل الخوف أمنا، والاضطراب سكونا وثباتا، وما زال هذا في الثابتين على أمر الله حتى يومنا هذا، فقصص


المجاهدين مع السكينة والنعاس في ميادين الاشتباك أكثر من أن تُحصر، حتى قد سُمع لبعضهم غطيط وهم على مسافة قريبة من العدو، وهذه من علامات توفيق الله تعالى وتأييده وإنزال السكينة على عباده، فلله الحمد على ذلك كثيرا.


نسأل الله أن ينزل علينا سكينة من عنده، ويربط على قلوبنا ويثبت أقدامنا وينصرنا على القوم الكافرين، والحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد (399)
الخميس 25 ذو الحجة 1444 هـ
التفريغ من إعداد: موقع إعلام.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
السكينة.. مواطنها وأسباب نزولها
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنارة :: مكتبة المنارة :: قسم التزكية والرقائق-
انتقل الى: