بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
وبعد :
فهذا نقل لتفسير آيات أحكام الصيام الواردة في سورة البقرة من كتاب :
نيل المرام من تفسير آيات الأحكام لـ :
عالم الهند الشيخ أبي الطيب صديق بن حسن بن علي الحسيني القنوجي البخاري المعروف بصديق حسن خان
(1248 - 1307 هـ = 1832 - 1890 م)
....
...
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
(185)) [البقرة]
..
[الآية الثانية عشرة]
(( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)) .
لا خلاف بين المسلمين أجمعين أن صوم رمضان فريضة افترضها الله سبحانه على هذه الأمة.
والصيام في اللغة: أصله الإمساك وترك التنقل من حال إلى حال «1» .
وهو في الشرع: الإمساك عن المفطرات مع اقتران النية من طلوع الفجر إلى غروب الشمس «2» .
قيل: للمريض حالتان إن كان لا يطيق الصوم كان الإفطار عزيمة، وإن كان يطيقه مع تضرر ومشقة كان رخصة، وبهذا قال الجمهور.
واختلف أهل العلم في السفر المبيح للإفطار فقيل مسافة قصر الصلاة والخلاف في قدرها معروف- وبه قال الجمهور «3» ، وقال غيرهم بمقادير لا دليل عليها.
الحق أن ما صدق عليه مسمى السفر فهو الذي يباح عنده الفطر، وهكذا ما صدق عليه مسمى المرض فهو الذي يباح عنده الإفطار، وقد وقع الإجماع على الفطر في سفر الطاعة واختلفوا في الأسفار المباحة- والحق أن الرخصة ثابتة فيها- وكذا اختلفوا في سفر المعصية وليس في الآية أعني قوله: (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ما يدل على وجوب التتابع في القضاء.
وقد اختلف أهل العلم في هذه الآية يعني: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) هل هي محكمة أو منسوخة؟ وإنما كانت رخصة عند ابتداء فرض الصيام لأنه شق عليهم وكان من أطعم كل يوم مسكينا ترك الصوم وهو يطيقه ثم نسخ ذلك. وهذا قول الجمهور، وروى عن بعض أهل العلم أنها لم تنسخ وأنها رخصة للشيوخ والعجائز خاصة- إذا كانوا لا يطيقون الصيام إلا بمشقة- وهذا يناسب قراءة التشديد أي يكلفونه.
والناسخ لهذه الآية عند الجمهور قوله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ).
وقد اختلفوا في مقدار الفدية فقيل كل يوم صاع من غير البر ونصف صاع منه، وقيل مدّ فقط.
وقال ابن شهاب: معناه، أي معنى قوله فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً من أراد الإطعام مع الصوم.
وقال مجاهد: معناه من زاد في الإطعام على المد، وقيل: من أطعم مع المسكين مسكينا آخر.
(وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) معناه أن الصيام خير لهم من الإفطار مع الفدية، وكان هذا قبل النسخ، وقيل: معناه أن تصوموا في السفر والمرض غير الشاق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر لسان العرب [4/ 2529] .
(2) انظر شرح المهذب [6/ 248] .
(3) قال ابن هبيرة: وأجمعوا على أن للمسافر أن يترخص بالفطر، وعليه القضاء. انظر، الإفصاح [1/ 211] .
-------
[الآية الثالثة عشرة]
(( شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)) .
أي من حضر ولم يكن في سفر بل كان مقيما.
قال جماعة من السلف والخلف: إن من أدركه شهر رمضان مقيما غير مسافر لزمه صيامه، سافر بعد ذلك أو أقام، استدلالا بهذه الآية.
وقال الجمهور: إنه إذا سافر أفطر، لأن معنى الآية أنه إذا حضر الشهر من أوله إلى آخره لا أنه إذا حضر بعضه وسافر فإنه لا يتحتم عليه إلا صوم ما حضره. وهذا هو الحق. وعليه دلت الأدلة الصحيحة من السنة. وقد كان يخرج صلّى الله عليه وآله وسلّم في رمضان فيفطر «1» .
قوله ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ): فيه أن هذا مقصد من مقاصد الرب سبحانه ومراد من مراداته في جميع أمور الدين، ومثله قوله تعالى: (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ). وقد ثبت عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه كان يرشد إلى التيسير ونهى عن التعسير كقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا» «2» وهو في الصحيح.
واليسر: السهل الذي لا عسر فيه.
والمراد بالتكبير هنا: هو قول القائل: الله أكبر الله أكبر. قال الجمهور ومعناه الحض على التكبير في آخر رمضان. وقد وقع الخلاف في وقته: فروى عن بعض السلف أنهم كانوا يكبرون ليلة الفطر، وقيل: إذا رأوا هلال شوال كبروا إلى انقضاء الخطبة، وقيل: إلى خروج الإمام، وقيل: هو التكبير يوم الفطر.
قال مالك: هو من حين يخرج من داره إلى أن يخرج الإمام، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة يكبر في الأضحى ولا يكبر في الفطر.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن ابن عباس في قوله: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)، قال: هو هلاله بالدار «3» .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ)، قال اليسر: الإفطار في السفر، والعسر الصوم في السفر «4» .
وقد صح عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه قال: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين يوما» «5» .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة عن ابن مسعود أنه كان يكبر: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري في الصحيح [4/ 180] ح [1944] .
(2) [متفق عليه] أخرجه البخاري في الصحيح ح [4341] و [4342] و [4344] ومسلم في الصحيح [3/ 1587] ح [1733] .
(3) أخرجه ابن جرير في التفسير [2/ 152] ح [2831] .
4) أخرجه ابن جرير في التفسير [2/ 162] ح [2901] .
(5) [متفق عليه] أخرجه البخاري في الصحيح ح [1909] ومسلم في الصحيح [2/ 762] ح [1081] .