المنارة
المنارة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


مشكاة هداية ونور في دياجير الظلام
 
الرئيسيةس .و .جالتسجيلدخول

 

 (فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مسلمة

مسلمة


تاريخ التسجيل : 15/06/2021

(فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ) Empty
مُساهمةموضوع: (فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ)   (فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ) I_icon_minitimeالأربعاء 2 أغسطس 2023 - 9:03

بسـم الله الرحمـن الرحيـم
***


(فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ)


ما فتئ الصدقُ العروة التي تمحص صفوف المسلمين، فمن اجتهد في تحصيله واستمسك به حفظ نفسه وأمن خاتمته بإذن الله تعالى، ومن قصر فيه وأضاعه فقد أضاع نفسه وأحبط عمله وتساقط مع هبوب الريح فخسر الدارين؛ نصَبٌ وتعَبٌ في الدنيا، وعذاب شديد في الآخرة.


والصدق أمر غيبي لا يستطيع أحد أن يقطع به لأحد حتى لنفسه، بل يتقلب المؤمن بين رجاء ووجل، عله أن يرضي الله عز وجل، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون]، قال ابن كثير -رحمه الله-: "أي: يعطون العطاء وهم خائفون ألا يتقبل منهم، لخوفهم أن يكونوا قد قصروا في القيام بشروط الإعطاء؛ وهذا من باب الإشفاق والاحتياط" [التفسير]


والمتأمل في أحوال الثابتين على درب الجهاد -نحسبهم والله حسيبهم-، يجدهم خائفين وجلين من تبدّل القلوب وسوء المنقلب، يتوكلون على الله تعالى ويسألونه دوما أن يثبتهم على طريق الحق وأن لا يكلهم إلى أنفسهم طرفة عين ولا أقل من ذلك، فإنْ حان وقت البذل والعطاء، رأيتهم في مقدمة الصفوف، يقدّمون أغلى ما يملكون في سبيل الله، رجاء أن يرضى الله عنهم ويتقبل منهم.


وعلى النقيض من ذلك، تجد البعض ليس لديه استعداد على تحمّل أعباء هذا الطريق، فتراهم في وقت الرخاء يتظاهرون بالثبات ويزعمون الاستعداد والتهيؤ للقتال، لكن ما إنْ يحين وقت اختبار الصدق في الميدان، لإثبات الدعاوى وتصديق الأقوال بالأفعال، حتى ينكشف ضعفهم، ويبين خورهم؛ فيحجموا ولا يتقدموا.


ونقرأ في قصص القرآن عندما سأل ملأ من بني إسرائيل نبيهم القتال قال جلّ من قائل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [البقرة]، فقد فرضوا على أنفسهم ما لم يفرضه الله عليهم، مع أن نبيهم -وقد كان يعلم حالهم-؛ سألهم عن مدى وفائهم بالعهد والتزامهم بما طلبوا، فلما جدّ الجد تولوا إلا قليلا منهم، قال ابن كثير: "ما وفوا بما وعدوا، بل نكل عن الجهاد أكثرهم والله عليم بهم".


فمن الصدق الالتزام بأمر الله في الأمر الواقع؛ وعدم تعديه لما هو أشد وعدم ابتلاء النفس بما ليست هي أهلا له، فلا يفرض ولا يحرّم اتكالا على نفسه وتمنّيا منه للصعوبة والشدة؛ لما في ذلك من تعدٍّ لحدود الله، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [المائدة]، قال الطبري في معنى الآية: "يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله، وأقرُّوا بما جاءهم به نبيُّهم -صلى الله عليه وسلم- أنه حق من عند الله (لا تحرّموا طيبات ما أحل الله لكم)، يعني بـ(الطيبات)، اللذيذات التي تشتهيها النفوس، وتميل إليها القلوب، فتمنعوها إيّاها، كالذي فعله القسِّيسون والرُّهبان، فحرَّموا على أنفسِهم النساءَ والمطاعمَ الطيَّبة، والمشاربَ اللذيذة، وحَبس في الصَّوامع بعضُهم أنفسَهم، وساحَ في الأرض بعضهم، يقول تعالى ذكره: فلا تفعلوا أيُّها المؤمنون، كما فعل أولئك، ولا تعتدُوا حدَّ الله الذي حدَّ لكم فيما أحلَّ لكم وفيما حرم عليكم، فتجاوزوا حدَّه الذي حدَّه، فتخالفوا بذلك طاعته، فإن الله لا يحبُّ من اعتدى حدَّه الذي حدّه لخلقه، فيما أحل لهم وحرَّم عليهم" [التفسير]، وذلك فيمن حرم على نفسه ما أحل الله تشديدا، ومثله الذين كتبوا ما لم يكتبه الله عليهم كما في قوله جل وعلا: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِرَاءً عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [الأنعام]، قال ابن كثير: "يقول تعالى: قد خسر الذين فعلوا هذه الأفعال في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فخسروا أولادهم بقتلهم، وضيقوا عليهم في أموالهم، فحرموا أشياء ابتدعوها من تلقاء أنفسهم، وأما في الآخرة فيصيرون إلى شر المنازل بكذبهم على الله وافترائهم، كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ}[التفسير].


وكفى بالمرء صدقا أن يكون على أتمّ الجاهزية لأي أمر يأتيه، ويحمد الله على ما كفيه، ويسأل الله العافية مما يشق عليه، روى ابن أبي حاتم -رحمه الله- في تفسيره عن الحسن: "لما نزلت هذه الآية على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ} قال أناس من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لو فعل ربنا لفعلنا"، فبلغ النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الإيمان أثبت في قلوب أهله من الجبال الرواسي)"، وهذا هو الواجب والمأمور به؛ ففي الصحيحين عن أبي النضر قال -صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّهَا النَّاسُ، لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَسَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ).


فلم يزل الجهاد الصخرة الكؤود والفاصل الممحّص بين أهل الصدق وبين مدعيه، ولم يزل الناس سواسية حول الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى أنزل ذكر القتال في المحكم من آي الكتاب، فقسمهم لمؤمن صادق مستجيب مسارع، ومنافق كاذب ناكص خانع، قال الله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ}. [محمد]


وهذا ما يتكرر اليوم ونراه في بعض ساحات الجهاد، إذ تجد من الأعداد والهمم ما يملأ الصعيد وينسف الجبال، ثم تبدأ الغربلة مع طول الزمن وتواتر المحن؛ فمن صدق الله ثبت، ومن خانه قلبه ضاقت به البسيطة، وشق عليه اليسير قبل العسير، ونسي الطاعة والقول المعروف لما عزم الأمر، فهامت بهم الهوائم حتى زلت قدم الثبات، وحصل ما حصل من الشتات، فلو صدقوا الله -من البداية- لكان خيرا لهم، ولو سألوا الله العافية لأعانهم الله في الخطب حين تحققه، نسأل الله العافية والسلامة.


ولا يخفى أن الصدق من أعمال القلوب الخالصة، ولو أنه قد تظهر قرائن على العبد إما سلبا أو إيجابا، فلا يجزم لمخلوق به، ولا يعني حلوله في القلب أنه لا يزول، بل يزول ويزعزع صاحبه ويسلب ثباته بسبب ذنب أو معصية قال تعالى: {فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ}.


وعلى العكس تماما لا يعني الجزع والتقلب أن المرء لا يصدق في حياته أبدا فقد قال تعالى: {لِّيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} قال ابن كثير -رحمه الله-:"وقوله: (لِّيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ)، يقول تعالى ذكره:(مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ …. لِّيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ) يقول: ليثيب الله أهل الصدق بصدقهم الله بما عاهدوه عليه، ووفائهم له به (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ) بكفرهم بالله ونفاقهم (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) من نفاقهم، فيهديهم للإيمان".


فما الأمر إلا نية صادقة تبلّغه بفضل الله خاتمة حسنة، تنجيان المجاهد من موارد الفتن ومصارع السوء، حتى يلقى ربه على العهد صادقا؛ فنعم الملاقى والملاقي والملتقى، وإلا فيا ويل نفس وما أحضرت، نسأل الله السلامة، اللهم ارزقنا الصدق وأخلص نياتنا فيما نقول ونعمل وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد (398)
الخميس 18 ذو الحجة 1444 هـ
التفريغ من إعداد: موقع إعلام.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
(فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  {فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ}

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنارة :: مكتبة المنارة :: قسم التزكية والرقائق-
انتقل الى: