المنارة
المنارة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


مشكاة هداية ونور في دياجير الظلام
 
الرئيسيةس .و .جالتسجيلدخول

 

 "الهجرة عبادة ماضية"

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مسلمة

مسلمة


تاريخ التسجيل : 15/06/2021

"الهجرة عبادة ماضية"  Empty
مُساهمةموضوع: "الهجرة عبادة ماضية"    "الهجرة عبادة ماضية"  I_icon_minitimeالأحد يوليو 23, 2023 2:28 am

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسمِ الله الرحمـن الرحيـم
،، 
افتتاحية صحيفة النبأ - العدد (400)
الخميس 2 ذي الحجة 1445 هـ
***


"الهجرة عبادة ماضية" 


كم كان عجيبًا وملهمًا اختيار الخليفة عمر بن الخطاب الهجرة النبوية نقطة بداية لتأريخ المسلمين، متجاوِزًا بذلك بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومولده ووفاته، وغيرها من الأحداث العظام في مراحل قيام الإسلام.


لقد أدرك أمير المؤمنين ومعه سائر الصحابة الذين أجمعوا على الأمر نفسه؛ أهمية الهجرة والأثر الذي أحدثته في نصرة الإسلام؛ ما دفعهم إلى تقديمها على كل ما سواها مِن محطات الإسلام البارزة، روى البخاري عن سهل بن سعد قال: "ما عدوا من مبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا من وفاته، ما عدوا إلا من مقدمه المدينةَ" يعني مِن هجرته.


فما هي هذه الأهمية الكبيرة التي دفعت الفاروق إلى اتخاذ هذا القرار؟ يجيب على ذلك الإمام الطبري فيقول: "..فجمع عمرُ الناس للمشورة، فقال بعضهم أرّخ لمبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال بعضهم: لمُهَاجَر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال عمر: لا، بل نؤرخ لمُهَاجَر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فان مُهَاجَره فرق بين الحق والباطل" [تاريخ الطبري]، وتطرّق السهيلي إلى ذلك فقال: "اتَّفَق رأيُهم أنْ يكون التاريخ من عام الهجرة؛ لأنَّه الوقتُ الذي عَزَّ فيه الإسلام، والذي أمر فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأسس المساجد، وعبَد الله آمِنًا". [الروض الأنف]


نعم، لقد كانت الهجرة النبوية محطة فارقة بين الحق والباطل، ومفاصلة تامة بين الإسلام والشرك، ونقطة فاصلة في الانتقال نحو سيادة الإسلام والتمكين له في الأرض؛ فاستحقت أنْ تكون مبدأ التاريخ؛ إذْ ترتب عليها قيام الدولة الإسلامية التي حددت نظام الحكم الإسلامي، فحكمت بالشريعة وحدها وأعلت رايتها، فعزّ الإسلام وسادت أحكامه وقُمع الشرك وهُدمت أركانه، فكان بذلك الاستقلال التام عن الجاهلية بكل مفرزاتها، ففارقوها مفارقة تامة روحا وجسدا ومكانا، فكمُل بها الشرع وتمّ الدين.


غير أنّ المتأمل في واقع الناس اليوم، يجد انحرافا كبيرا في فهم عبادة الهجرة التي جعلوها مجرد ذكرى فصلوها عن مقاصدها وأحكامها، بل أجروها على الطريقة الصوفية موسمًا للدندنة والدروشة، وأصبحت تلك طقوس أكثر الحركات والأحزاب الجاهلية التي عطّلت الهجرة في واقعها، كما عمدت الحكومات الكافرة والمرتدة إلى محاربة المهاجرين وتجريمهم في قوانينها الكفرية، وكل ذلك استجابة لتوجيهات التحالف الصليبي الذي يؤكّد -في كل اجتماعاته- على ضرورة "تشديد مراقبة المنافذ والحدود" لوقف مدد الهجرة والمهاجرين ولكن هيهات، فمَن يوقف أمر الله النافذ؟!


وآخرون قزّموا الهجرة وقصروها على هجر الذنوب والمعاصي دون هجر الجاهلية وديارها، وتناسى هؤلاء أنّ شر الذنوب على الإطلاق هو الشرك، وأن هجر الشرك والمشركين ومذاهبهم ومناهجهم وأحزابهم هي هجرة واجبة لا يتم الدين إلا بها، وأن الذوبان في المجتمعات الجاهلية لا يُحقق نصرا ولا يحكّم شريعة، ولو كان حكم الإسلام يقوم دون الهجرة، لما ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- أقدس البقاع وأحبها إليه، سعيًا في تحقيق المفاصلة والتمايز التام عن معسكر الجاهلية، وهو ما مكّنهم لاحقا من العودة إلى مكة فاتحين، فلا ينتصر على الشرك بالكلية إلا مَن فاصله وفارقه بالكلية.


وكثير من دعاة الضلالة اليوم أغفلوا أحكام الديار عمدا، وأماتوا هذه العقيدة في قلوب وواقع الناس، حتى قلب الناس اليوم الصورة رأسا على عقب! فصاروا يهاجرون "هجرة عكسية" إلى ديار الكفر والفتنة بدلا من الهجرة منها، ويتحملون في سبيل ذلك مخاطر كبيرة تصل إلى حد الموت! للوصول إلى الدول الصليبية التي تتفنن في فتنتهم وردهم عن دينهم، وتسرق أبناءهم وتجعلهم عرضة للتهويد والتنصير والإلحاد.


وآخرون يلبّسون على شباب المسلمين بأن الهجرة توقفت بفتح مكة! ويستدلون بحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية)، مع أنّ الحديث محمول على عدم وجوب الهجرة من مكة بعد فتحها وسيادة الإسلام فيها، خلافا لما كان عليه الحال قبل الفتح، ومحمول على عدم وجوب الهجرة من بلد فتحها الإسلام وتعلوها أحكامه، أما الهجرة من ديار الكفر إلى ديار الإسلام فواجبة لا تنقطع، وهي في زماننا أشد وجوبا، وآكد في حقّ كل من يُفتن في دينه بقعوده بين ظهراني المشركين.


وقد ارتبطت الهجرة بعقيدة الولاء والبراء، وبيّن القرآن الكريم هذا الارتباط الوثيق في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، قال الإمام الطبري: "هاتان الفرقتان يعني المهاجرين والأنصار، بعضهم أنصار بعض، وأعوان على مَن سواهم من المشركين، وأيديهم واحدة على مَن كفر بالله، وبعضهم إخوان لبعض دون أقربائهم الكفار".


كما تزاحمت نصوص الوحيين في بيان فضل الهجرة، ما لا سبيل لبسطه هنا ولكن نذكر منه ما وافق الحال الذي يشابه أحوال المهاجرين اليوم حين يتعرضون لكل حروب التثبيط والإرجاف من القريب والبعيد قبل الهجرة وأثناءها وبعدها، قال ابن زيد في أسباب نزول قوله: {وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ}، قال: "هاجر رجل من بني كنانة يريد النبي -صلى الله عليه وسلم- فمات في الطريق، فسخِر به قومه واستهزؤوا به وقالوا: لا هو بلغ الذي يريد، ولا هو أقام في أهله يقومون عليه ويدفن! قال: فنـزل القرآن". [جامع البيان]


وإنها اليوم نفس الفرية والسخرية التي نسمعها من عبدة التراب المتثاقلين إلى الأرض، فإنهم ما زالوا يلمزون المهاجرين بمثل هذه الفريات ويسخرون منهم، ويعدّون الموت في طريق الهجرة أو بعدها من ضروب الخسارة والله تعالى يقول: (فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) فمن أصدق من الله قيلا؟!


ولقد قضى الله تعالى في كتابه الحكيم أن في الهجرة تحوّلا إلى البركة والهداية، قال قتادة في قوله: (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً)، قال: "أي والله، مِن الضلالة إلى الهدى، ومن العَيْلة إلى الغِنى"، كما قضى سبحانه أن الدين لا يقوم، والشريعة لا تحكم، وراية الإسلام لا تعلو إلا بنفس الأسباب التي قام بها الدين في عهد النبوة والخلفاء الراشدين، أي بالهجرة التي بشّر النبي -صلى الله عليه وسلم- ببقائها مع بقاء الجهاد، فقال: (لا تنقطِعُ الهجرةُ، ما قُوتِلَ الكفارُ) [النسائي].


إذن، فالهجرة باقية ماضية إلى قيام الساعة تماما كالجهاد، وهي عبادة مستمرة لا ذكرى عابرة، فأنزلوا أيها المسلمون هجرة نبيكم -صلى الله عليه وسلم- منزلتها، فمنها ابتدأ تاريخ الإسلام وبها تُكتب بقية فصوله، والقائمون بها اليوم على أصولها هم المرشحون لقيادة الإسلام إلى سيادة العالم، ولينصرن الله من ينصره.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التفريغ من إعداد: موقع إعلام.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
"الهجرة عبادة ماضية"
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» "باقية وبيعاتها ماضية"
» مقاعد الشيطان (1) في طريق الهجرة والجهاد
» مقاعد الشيطان (2) في طريق الهجرة والجهاد
» مقاعد الشيطان (3) في طريق الهجرة والجهاد

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنارة :: منتديات المنارة العامة :: القسم العام-
انتقل الى: