المنارة
المنارة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


مشكاة هداية ونور في دياجير الظلام
 
الرئيسيةس .و .جالتسجيلدخول

 

 (ولا تهنوا ولا تحزنوا)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مسلمة

مسلمة


تاريخ التسجيل : 15/06/2021

(ولا تهنوا ولا تحزنوا) Empty
مُساهمةموضوع: (ولا تهنوا ولا تحزنوا)   (ولا تهنوا ولا تحزنوا) I_icon_minitimeالثلاثاء يوليو 18, 2023 8:26 am

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسمِ الله الرحمـن الرحيـم
،، 
افتتاحية صحيفة النبأ - العدد (399)
الخميس 25 ذي الحجة 1444 هـ
***


(ولا تهنوا ولا تحزنوا)


لمّا أصاب المسلمين يوم أُحد ما أصابهم من القتل والجراح نزل القرآن مسليًا ومواسيًا، ناصحًا وموجهًا للصحابة -رضوان الله عليهم- ولسائر المؤمنين بعدهم؛ مبيّنا ما هو المطلوب من المجاهد في مثل هذه المواقف والظروف التي حدثت في خير القرون المفضّلة وهم بين ظهراني نبيّهم محمد -صلى الله عليه وسلم-، وما زالت تحدث وتتكرر مع كل السائرين على خطاهم، المقتفين لآثارهم على طريق ذات الشوكة.


وفي ذلك قال الزهري: "كثر في أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- القتلُ والجراح، حتى خلص إلى كل امرئ منهم البأسُ؛ فأنـزل الله عز وجل القرآن، فآسَى فيه المؤمنين بأحسن ما آسى به قومًا من المسلمين كانوا قبلهم من الأمم الماضية، فقال: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).." [جامع البيان]


والمتأمل في آيات المواساة السابقة يجد أنها بدأت بالنهي! وقلّما تواسي شخصًا بأمره ونهيه، فهذا فيه إثقالٌ فوق إثقال، إلا أنّ النهي الإلهي هنا وقع كالبلسم على القلوب المكلومة التي لم تفارق إيمانها، إذْ نهاهم عن الوهن والحزن وكلاهما من العلات الجسدية والنفسية التي تُضعف الهمة وتوهن العزيمة، فتُقعد السائر عن مواصلة دربه أو تُبطئ مسيره.


وليس المقصود منها أنَّ المجاهد لا تصيبه عوارض الوهن والحزن، فالمجاهد بشرٌ تعتريه حالات البشرية، وقد وقعت هذه العوارض للصحابة على علوّ قدرهم وإيمانهم، ولكن المقصود ألا يستسلم المؤمن لها فتخرجه أو تحرفه عن مساره نحو غايته.


وبالمجمل، فالمطلوب الابتعاد عن تعاطي أسباب الوهن والحزن، وترك كل ما يؤدي إليهما من قريب أو بعيد، وهي مسؤولية شرعية تقع على عاتق الجميع، وهي مما مدحه الله تعالى في المؤمنين فقال عنهم: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}، فالتواصي والتناصح سمة المؤمنين، والإرجاف والتثبيط سمة المنافقين.


ومن أساليب القرآن في مواجهة المحنة، تأجيج مشاعر الإيمان في قلوب المؤمنين واستثارة الهمم في صفوفهم كما قال تعالى مخاطبا عباده: {وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}، ففيه تهييج وتأجيج لإيمان العبد ومدى يقينه بوعد ربّه له، وتقدير الكلام: إنْ كنتم مؤمنين حقا؛ فدَعوا عنكم الوهن والحزن وجِدّوا في قتال عدوكم، إذْ كيف تضعفون وتحزنون وقد سبق وعدي لكم بأنكم الأعلون، الأعلون في الدنيا بالغلبة والنصر، والأعلون في الآخرة بالفوز والأجر، وكفى بالمجاهد تأملا لهذه الآيات التي تستفز مكامن الإيمان فيه، ليشحذ همّته ويقوّي عزيمته ويضمّد جراحاته، ثم ينطلق شاقا طريقه المستقيم بين الطرق الملتوية التي مال إليها أكثر الناس فرارا بدنياهم.


وتهييج المسلمين نحو الاستبسال والثبات، أسلوب نبوي مجرّب، فيوم حنين لما اشتد الخطب وانفضّ الناس؛ أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- العباس أنْ ينادي فيهم بنداء يذكّرهم بالعهود التي مضت، ويروي العباس الحدث بنفسه: "فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة؟ قال: فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيك، يا لبيك..) [مسلم] فأقبَلوا يتواثبون إلى نصرة دينهم وقتال عدوهم لما استفزهم النداء الذي يعرفون!، وكتب السير حافلة بمواقف مشابهة لا يتسع المقام لذكرها.


ومن أساليب القرآن في تسلية المؤمنين في مصابهم؛ بيان بعض الحِكم الإلهية من هذه المحن المقدّرة عليهم، قال تعالى: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}، أخرج الطبري في تفسيره عن قتادة في قوله: (وتلك الأيام نداولها بين الناس) قال: "إنه والله لولا الدُّوَل ما أوذي المؤمنون، ولكن قد يُدال للكافر من المؤمن، ويبتلى المؤمن بالكافر، ليعلم الله من يطيعه ممن يعصيه، ويعلم الصادق من الكاذب".


وعن الحسن في قوله: (إن يمسسكم قرحٌ فقد مس القوم قرح مثله)، قال: "إن يقتلوا منكم يوم أحد، فقد قتلتم منهم يوم بدر" [جامع البيان]، وأنتم أيها المجاهدون إن يقتلوا منكم اليوم في العراق والشام أو غيرها من بقاع الإسلام، فقد قتلتم منهم "يوم سبايكر"، وقتلتم منهم "يوم الطبقة" و"يوم غويران" وقتلتم منهم "يوم مطار كابل" وما زالت سجلات أيامهم مليئة بالنكبات مزدحمة بالنكسات.


وفي سياق التوجيهات العملية للمجاهد لتجاوز المحنة؛ ينهى الله تعالى عباده عن الضعف في قتال العدو والانشغال بالآلام والجراحات، ويخبرهم أن العدو أيضا يصيبه من الألم ما يصيبكم، ولكن مع الفارق بين مآل الفريقين، وعاقبة المعسكرين، فيقول اللطيف الخبير: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}، والمعنى "أي لا تضعفوا في طلب عدوكم، بل جدّوا فيهم وقاتلوهم، واقعدوا لهم كل مرصد.. كما يصيبكم الجراح والقتل، كذلك يحصل لهم.. ولكن أنتم ترجون من الله المثوبة والنصر والتأييد، وهم لا يرجون شيئا من ذلك، فأنتم أولى بالجهاد منهم، وأشد رغبة في إقامة كلمة الله وإعلائها" [ابن كثير].


كما إنَّ في هذه الآيات والتوجيهات دعوة لإصلاح الخلل وسد الخُلل التي قد تؤدي إلى تفويت النصر أو نزول البلاء، قال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ}، وفي هذه لفتة وإشارة إلى المسلمين أن يتفقدوا صفوفهم ويتعاهدوا أنفسهم وإخوانهم بالنصيحة والتذكير، وأن ينقّوا صفوفهم من كل أسباب نزول البلاء، فالمؤمن عند المصائب يتهم نفسه! وعند المحن وتتابعها يُشرع تجديد التوبات وإصلاح النوايا والطوايا والفرار إلى الله تعالى.


فيا أيها المجاهدون السائرون على طريق ذات الشوكة، يا أهل الثبات والوثبات، إنْ تشتد فأنتم لها أهل، فلا جديد عليكم طرأ ولا قديم عنكم خفي، فتلك سيرة أسلافكم وقد أصابهم ما أصابكم، فلم يهنوا ولم يحزنوا، وصبروا حتى ظفروا، وواصلوا حتى وصلوا، فدونكم سيرتهم الأولى جدّدوا مآثرها وأحيوا معالمها، تحيوا بذلك تاريخهم في حاضركم ومستقبلكم، والعاقبة للمتقين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التفريغ من موقع: إعلام.

الغريب يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
(ولا تهنوا ولا تحزنوا)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنارة :: منتديات المنارة العامة :: القسم العام-
انتقل الى: