المنارة
المنارة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


مشكاة هداية ونور في دياجير الظلام
 
الرئيسيةس .و .جالتسجيلدخول

 

 {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مسلمة

مسلمة


تاريخ التسجيل : 15/06/2021

{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} Empty
مُساهمةموضوع: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}   {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} I_icon_minitimeالأحد يوليو 02, 2023 11:16 pm

بسـم الله الرحمـن الرحيـم
***


{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}


من صفات عباد الله المؤمنين في كتاب الله، أنهم كما وصفهم الله بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} فقد ميّز الله عباده المخلصين المنيبين المهتدين بالسمع والعمل على أحسن وجه، وقد عطف الله {فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} على ما قبلها بالفاء التي تفيد الترتيب، فلا فاصل بين السمع والعمل إلا زمن يسير، ثم وصفهم بسبب فعلهم ذلك بأنهم أصحاب العقول وذوو النهى، وقال تعالى مخبرا عن النفر الذين آمنوا من الجن: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنْذِرِينَ} فلم يتركوا مقامهم وينشغلوا عنه حتى انتهت قراءة القرآن، ثم ما لبثوا حتى أنذروا قومهم، فكانوا بين حسن استماع وإنصات ومسارعة في العمل، وبهذا أمر الله عباده وحضهم على السمع والطاعة والمسارعة إلى الخيرات التي توجب المغفرة بقوله: 
{وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا} و{وَسَارِعُوا} و{سَابِقُوا} و{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} ونحوها.


وبالمسارعة إلى الخير تزداد تقوى القلوب وبها تتحصل البركة ويستجاب الدعاء قال تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}، ونهى الله عباده عن التهاون في العمل بعد السمع بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ}، وقد حذرهم أنه بفعلهم ذلك قد يشابهون المشركين الذين وصفهم الله تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ}، فهم على قدرتهم على السمع لم يأتوا بلازم السمع الذي هو الإجابة فكانوا: {كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً}، فنفى عنهم العقل سبحانه ولو أنهم قد فهموا لكن بلا عمل، فصاروا كما الأنعام بل أضل إذ قد تستجيب الأنعام للمقصود من بعض الأصوات.


فلينتبه المرء فهو إما أن يصعد إلى قمة شماء يعتليها أولو الألباب، أو يكون في منحدر زلق يهوي به شر الدواب، وبين أن يتبع سبيل المؤمنين بالسمع والفهم والطاعة والإجابة والعمل، أو يكون أقرب لسبيل المنافقين بسمع وفهم وتهاون في العمل، أو سمع بلا فهم ولا عمل والعياذ بالله.


فمن أقبل على الذكر، أو عرضت له موعظة، زاد إيمانه وقذف الله في قلبه نورا بقدر إنصاته وفهمه، وعلاه خشوع في مجلسه، وذلك ما نراه في مجالس الوعظ وحلقات المذاكرة، وهذا النور في القلب يتقد في حينه فيكون الدافع للخيرات، فإن تأخر المستمع عن تلقف المشعل الوقاد والمسير، ضعف النور وبدأ يخفت، فإن أجَّل وسوّف انطفأ المشعل وتلاشى النور، فيصعب عليه العمل والتنفيذ، ويعود لنقطة الصفر فيصبح كمن لم يحضر ولم يسمع، بل أشد إذ إنه جرب ذلك قبلا، فيحسن الظن بنفسه ويعتقد عدم النفع بالمواعظ ويراها كلاما مكررا ليس له نتيجة تذكر، ويزداد حتى يسلبه الله الفهم بعد أن سلبه الاستجابة!، فيجعل على قلبه أكنة: قال تعالى: {وَمِنْهُم مَّنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ}، وقال تعالى منبّها المؤمنين إذا تلكؤوا عن الاستجابة لأمره: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} "قال ابن عباس: يحول بين المؤمن وبين الكفر، وبين الكافر وبين الإيمان، وفي رواية عن مجاهد.. حتى تركه لا يعقل". [تفسير ابن كثير]


وإن تعظيم شعائر الله والأوامر والنواهي وعدم مجاوزتها من تقوى القلوب، فيرفع الله عباده بحفظهم لحدود الله ووقوفهم عند آيات الكتاب، وذلك ما تفضل به الصحابة رضوان الله عليهم وعُرفوا به، ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: "كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، وكان خمرهم يومئذ الفضيخ، فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مناديا ينادي: ألا إنّ الخمر قد حرّمت، قال: فقال لي أبو طلحة: اخرج فأهرقها، فخرجت فهرقتها، فجرت في سكك المدينة…"، فلم يناقشوا أو يجادلوا إذ جاءهم الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يؤخروا أو يستخسروا بما يتلفون، بل كان أمر الله عندهم أعز من أي شيء دونه.


وروى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قولها بعدما نزلت الآيات في براءتها من حادثة الإفك: "فأنزل اللّه عزّ وجلّ هؤلاء الآيات براءتي، قالت: فقال أبو بكر، وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره: واللّه لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الّذي قال لعائشة. فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ} إلى قوله: {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ}، قال حبّان بن موسى: قال عبد اللّه بن المبارك: هذه أرجى آية في كتاب اللّه، فقال أبو بكر: واللّه إنّي لأحبّ أن يغفر اللّه لي، فرجع إلى مسطح النّفقة الّتي كان ينفق عليه، وقال: لا أنزعها منه أبدا"، فكيف صفح الصديق رضي الله عنه وقوفا منه عند كتاب الله عن الذي خاض في عرض ابنته رضي الله عنها، فانظر إلى أي مدى وصل تعظيم النصوص عندهم.


وروى البخاري في صحيحه قال ابن عباس رضي الله عنهما: "قدم عيينة بن حصن بن حذيفة، فنزل على ابن أخيه الحرّ بن قيس، وكان من النّفر الّذين يدنيهم عمر، وكان القرّاء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولا كانوا، أو شبّانا، فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي، لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه، قال: سأستأذن لك عليه، قال ابن عبّاس: فاستأذن الحرّ لعيينة، فأذن له عمر، فلمّا دخل عليه قال: هي يا ابن الخطّاب، فواللّه ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتّى همّ به، فقال له الحرّ: يا أمير المؤمنين، إنّ اللّه تعالى قال لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}، وإنّ هذا من الجاهلين، واللّه ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقّافا عند كتاب اللّه". فقد تجاوز الفاروق -رضي الله عنه- الاتهامات المجحفة بحقه وتجاوز غضبه ولم يجاوز كلام الله برهة، وما أدراك ما غضب عمر.


وإن أحدنا ليُذكّر بالله في أحسن أحواله فيمرُّه، وأما عند حدوث الخطب وعند الغضب فالله المستعان، وهذا هو حالهم وحال المؤمنين الذين وصفهم الله إذا ظلم أحدهم نفسه، فهم يسارعون إلى التوبة أيضا ولا يؤخرونها فقال الله في صفاتهم: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.


وبالمحصلة نرى أنه في طريق الخير لا بد من المسارعة والاستباق والعجلة وذلك مما يمدح فعله ويثاب صاحبه ويصان به قلبه، وذلك مستوجب لرضا الرحمن وديدن الأنبياء والصحابة والصالحين قال الله تعالى على لسان موسى -عليه السلام- جوابه: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ}، فسبق قومه وعجل لربه طلبا للرضا.


وفي المقابل إن الإبطاء والتخلف والتأني مذموم فعله ومحاسب أو معاقب صاحبه معرض للمهالك، ومن لم يسارع بالطاعة ابتلاه الله بالإقصاء عنها، ومن لم يتعجل بترك المعاصي ابتلاه بالمدوامة عليها، وَمن أخّر التوبة فأدنى أن يُحرم منها.


فحري بالمؤمن وأحرى بالمجاهد إذا سمع كلام الله تعالى أو ذُكّر بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقف عندها لا يجاوزها حتى يعمل بها، ومنه أمر أولي الأمر أو الأمير إذا أمروا بطاعة، فهي واجبة من كونها طاعة وأمر الأمير، واستباقُها خير موجب للمغفرة بإذن الله، وإهمالُها معصية يخشى على صاحبها من مكر الله، فاحذر مما يرديك واربأ بما ينجيك، وسارع لمغفرة الديان، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد (397)
الخميس 11 ذو الحجة 1444 هـ
التفريغ من إعداد : موقع إعلام.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنارة :: مكتبة المنارة :: قسم التزكية والرقائق-
انتقل الى: