المنارة
المنارة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


مشكاة هداية ونور في دياجير الظلام
 
الرئيسيةس .و .جالتسجيلدخول

 

 مقاعد الشيطان (1) في طريق الهجرة والجهاد

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مسلمة

مسلمة


تاريخ التسجيل : 15/06/2021

مقاعد الشيطان (1) في طريق الهجرة والجهاد Empty
مُساهمةموضوع: مقاعد الشيطان (1) في طريق الهجرة والجهاد   مقاعد الشيطان (1) في طريق الهجرة والجهاد I_icon_minitimeالثلاثاء مايو 23, 2023 9:25 pm

مقاعد الشيطان (1) 
في طريق الهجرة والجهاد


الحمد لله الخبير البصير، العالم بعباده المعين النصير، والصلاة والسلام على رسوله السراج المنير، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم وأحسن المسير؛ أما بعد.


خلق الله السموات والأرض وما فيهما من دابة، وخلق الإنس والجن وأرسل لهم الرسل وأنزل عليهم الكتب، وهو أعلم بما أرسل وبما أنزل، وأمرهم بالطاعات ونهاهم عن المنكرات، وابتلاهم بالشيطان ووساوسه وحذّرهم منه ومن سعيه لإخراج المؤمنين من الخير وزجهم في الشر فقال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}.


كما ابتلى الله عباده بالنفس الأمّارة بالسوء فقال سبحانه: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} قال الطبري: يقول تعالى ذكره: "ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما تحدِّث به نفسه، فلا يخفى علينا سرائره وضمائر قلبه، ونحن أقرب للإنسان من حبل العاتق" [التفسير]، وجعل الله ما في هذه الدنيا فتنة لنا ليبلونا بها أيّنا أحسن عملا، وكلٌ حسب إيمانه يزاد له الابتلاء حتى يعلم الصادق من الكاذب، ويرفع الصادقين ويفاضل بينهم، ويزيد الكاذبين إثما ويركمهم جميعا في جهنم، وكل شيء عنده بحساب وكل شيء عنده بقدر لكيلا نفرح بما آتانا ولا نأسى على ما فاتنا، وهو العليم بنا وبما خلق، وهو أعلم بماذا وكيف تصلح الخليقة، وهو أعلم بما كتب علينا وبما فرض، وكله عنده لحكمة، لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر ولا أكبر إلا في كتاب مبين، فمن علم ذلك وأكثر ذكره؛ هان عليه ما فيه شدة وبلاء مهما عظما، وصغر في عينيه متاع الدنيا ولو حاز منه ما حاز.


ومن حكمته الواسعة جل وعلا أن جعل التدافع سنة ماضية بين خلقه، وكتب على عباده القتال والجهاد، مع علمه سبحانه بكراهة النفوس البشرية له وصعوبة قبولها به قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ}، ولأن الجهاد من أعظم الفروض، وبه تجلب أعظم المصالح، وتدفع بقيامه أشد المفاسد، وللمجاهدين أجرهم بأفضل المطارح، وللناكصين عنه أذل الموارد، وللسالكين دربه وضعَ الشيطان المراصد، وقعد لهم المقاعد، روى الإمام أحمد والنسائي بسند صحيح عن سبرة بن أبي فاكه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إنّ الشّيطان قعد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام، فقال له: أتسلم وتذر دينك، ودين آبائك، وآباء أبيك؟ قال: فعصاه، فأسلم، ثمّ قعد له بطريق الهجرة، فقال: أتهاجر وتذر أرضك وسماءك؟ وإنّما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطّول، قال: فعصاه؛ فهاجر. قال: ثمّ قعد له بطريق الجهاد، فقال: هو جهد النّفس والمال، فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة، ويقسّم المال. قال: فعصاه، فجاهد. فقال رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-: فمن فعل ذلك منهم، فمات؛ كان حقّا على اللّه أن يدخله الجنّة، أو قتل كان حقّا على اللّه عزّ وجلّ أن يدخله الجنّة، وإن غرق؛ كان حقّا على اللّه أن يدخله الجنّة، أو وقصته دابّته؛ كان حقّا على اللّه أن يدخله الجنّة). فلكل مكسب عظيم بذْل عظيم يقابله، وفي هذا المقام نبيّن هذه المقاعد التي يقعدها الشيطان، وتزيّنها نفس الإنسان، ليُخرجا المجاهد مما هو فيه من الأجر العظيم، كما عرفناها من النصوص الشرعية، ومما حدثت به ألسن المجاهدين، وكذلك مما وردنا من ذرائع المنتكسين، نسردها تحذيرا وتنبيها، ولله القصد وبه نستعين.




المقعد الأول: الحياة قبل الهجرة


يقعد الشيطان بأول الطريق مذكرا للمجاهد بحياته السابقة التي كان فيها قبل الهجرة، وليس بالضرورة أن يكون المجاهد ثريا! بل يزيّن ويحسّن في عينيه أيسر ما كانت عليه حياته السابقة في أرض القعود، فيذكّره بطعامه وشرابه وراحته ونومه ويقظته، بل يزيّن له عمله الذي كان لربما يكرهه، أو الحي الذي لا يُطيقه، أو حتى بأصدقاء ومعارف كان يتجنبهم، أو بأماكن كان يزورها وأوقات كان يقضيها، وكيف كانت ستكون حياته لو لم يهاجر، وأين وصل أقرانه؛ ذاك الذي تزوج وأنجب، وغيره الذي تاجر وكسب، أو الذي أكمل دراسته وحصل على "شهادات الدنيا" التي يسمونها بالعليا وما علت، إلى غيرها من الأمور؛ فيذكّره بالحسن منها ويجمّل القبيح منها، فيما يقبّح في عينه كل شيء في أرض الجهاد، محاولا إضعاف نفسه وردّه إلى سابق عهده، وأنه ما زال يستطيع العودة وتحسين حياته وإصلاحها، ويغره ويمنّيه ويعده وبئس الوعد من الشيطان قال تعالى: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا}.


فالمجاهد لا شك قد ترك ما يحب في حياته، وأنه قدِم لأرض الجهاد محتسبا الأجر طالبا رضى الله على ذلك، فليتذكر المجاهد المهاجر عظيمَ الأجر الذي أعده الله له في الآخرة إذا صبر وثبت واحتسب، وكيف أنه في أرض الجهاد عزيز لا ذليل يأمن على دينه، بعد أن كان في أرض القعود يتخفى بنفسه ليحفظ دينه ويبتعد عن أعين الطواغيت وجندهم، وليمعن النظر في نعم الله عليه من هدايته وتوفيقه للجهاد وللرباط وإقامة الشرع ونصرة الإسلام والمسلمين ومقارعة الكفر والكافرين.


ثم إنّ النعم التي يمنَّ الله بها على عباده المجاهدين في ساحات الجهاد ليتعجّب منها العالم بأسره، إذْ برغم الحرب والحصار والتضييق إلا أن المجاهد يصله طعامه وشرابه ولباسه وغيرها من النعم التي تستمر في أرض الجهاد ولا تنقطع، وقد يبتلون بنقصها أحيانا فهذه سنة الله على جميع خلقه برّهم وفاجرهم، مؤمنهم وكافرهم، ولقد رأينا مثلا الزلازل والفيضانات والأوبئة وغيرها كيف عصفت بأهل المشرق والمغرب، ولم يسلم من هذا البلاء حتى الذي جلس في خدره مؤْثرا السلامة على سلامة المنهج، فهل حصّل منها غير ما كتبه الله له؟ وكذلك المجاهد في ميادين الجهاد لن يفوته شيء مما كتب الله له أو عليه، رُفعت الأقلام وجفت الصحف.




المقعد الثاني: المال والأهل والعيال


قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} وهما من أشد ما يبتلى ويُفتن به المؤمن في حياته لقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}، قال ابن كثير: "أي: اختبار وامتحان منه لكم؛ إذ أعطاكموها ليعلم أتشكرونه عليها وتطيعونه فيها، أو تشتغلون بها عنه، وتعتاضون بها منه؟" [التفسير]


فالمال والأهل والعيال أو محلة المرء وداره كل ذلك عزيز على نفسه، شاق عليها فراقه، ولكن على المؤمن هنا أن يستحضر قدر ومكانة دين الله في قلبه، وأنه أحب إليه من نفسه وماله وأهله وولده، وأن الذي أمره بالكسب والإنفاق والإحسان على من يرعى، هو سبحانه مَن أمره بالهجرة والجهاد، وأنه متكفل بأهله لن يضيعهم ولو بأرض غير ذي زرع، وليمتثل ويتمثّل توجيهات القرآن الكريم التي حذّرت المؤمن من فتنة الأزواج والأولاد وسمّاهم الله في كتابه "عدوا" وأمرنا بأن نحذرهم! فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، قال الطبري في تفسيره: "يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله (إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ) يصدونكم عن سبيل الله، ويثبطونكم عن طاعة الله (فَاحْذَرُوهُمْ) أن تقبلوا منهم ما يأمرونكم به من ترك طاعة الله، وذُكر أن هذه الآية نـزلت في قوم كانوا أرادوا الإسلام والهجرة، فثبَّطهم عن ذلك أزواجهم وأولادهم"، وروى الطبري بسنده أيضا عن عطاء بن يسار: قال: "نـزلت في عوف بن مالك الأشجعيّ، كان ذا أهل وولد، فكان إذا أراد الغزو بكوا إليه ورقَّقوه، فقالوا: إلى من تَدعنا؟ فيرقّ ويقيم، فنزلت الآية.." [التفسير].


فهذه الآية نص صريح في المسألة، وأنه يجب على المجاهد أن يحذر أهله وولده إذا صدوه عن الجهاد وأقعدوه عن الهجرة، وناحوا أمامه وارتموا في طريقه، فإن دين الله تعالى أغلى منهم، وإن الله أمره بطاعته لا بطاعة أهله وعياله فهذا جهاد دفع لا طلب وهو فرض عين بل هو فرض العصر وواجبه، والأصل أن المجاهد ينفر بأهله إن تيسّر له ذلك، فإن تعذّر ذلك لأي سبب فليكن ناصحا مبينا لهم فضل الهجرة والجهاد وأن نفيره واستجابته لأمر ربه خير من مقامه بينهم، ويذكّرهم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه وأن الأعمار بيد الله تعالى وأن نفسا لن تموت حتَّى تستكمِل أجلَها، وتستوعِب رزقها.


ثم ماذا يفعل به أهله إذا سبق عليه مكر الله فأُسر أو أُصيب مصابا أقعده، فيصبح عليهم هما وغما يحملهم القيام به، وقد يرزق الله أهله من الخيرات ما لا يستطيع تحصيله بنفسه إذا جلس إليهم، كما إن في هذا فرصة لعامة المسلمين وبابا كبيرا من أبواب الأجر يتمثل في تفقد عوائل المجاهدين والتكفل والعناية بهم لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ومن خلف غازيا في سبيل اللّه بخير فقد غزا) [البخاري]


وعليه، فحري بمن فاضت به الذكرى، وعزز الشيطان له ذلك المجرى، أن يصبر ويذكر الله ويحتسب منه أجرا، ويستودع الله نفسه وأهله، ويسأل الله أن يجمعه بهم في درب العز والجهاد أو في جنات الخلد، فإن خير ما يقدّمه لهم الشفاعة يوم العرض على الله، وخير ما يقدمونه له إن لم يشاركوه الهجرة، أن يشاطروه الدعاء، وليتذكروا أن هذه الدنيا دار مفر لا مقر وأن الآخرة هي خير وأبقى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد (391)
الخميس 28 شوال 1444 هـ
التفريغ من إعداد : موقع إعلام.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مقاعد الشيطان (1) في طريق الهجرة والجهاد
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مقاعد الشيطان (2) في طريق الهجرة والجهاد
» مقاعد الشيطان (3) في طريق الهجرة والجهاد
» "الهجرة عبادة ماضية"
» حزب الله أم حزب الشيطان؟
» ( طرق الاحتراز من الشيطان )

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنارة :: مكتبة المنارة :: قسم التزكية والرقائق-
انتقل الى: