المنارة
المنارة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


مشكاة هداية ونور في دياجير الظلام
 
الرئيسيةس .و .جالتسجيلدخول

 

 [ من مشكاة أُحد ]

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مسلمة

مسلمة


تاريخ التسجيل : 15/06/2021

[ من مشكاة أُحد ] Empty
مُساهمةموضوع: [ من مشكاة أُحد ]   [ من مشكاة أُحد ] I_icon_minitimeالأحد مايو 21, 2023 9:50 pm

[ من مشكاة أُحد ]
 
 
الحمد لله الذي بنور التوحيد أزاح الظُلَم والصلاة والسلام على من بُعث بالسيف ولم يبعث بالقلم أما بعد.
 
نقف اليوم في رحاب معركة خالدة من المعارك التي صاغ فصولها أبطال الإسلام الأوائل من الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم، بقيادة النبي القائد والمعلم القدوة صلوات الله وسلامه عليه، والتي أرّخوها وخطوا أحداثها بزكي دمائهم ونبيل فعالهم إنها معركة أحد، نستخلص من مشكاتها نزرا يسيرا من الفوائد علها تنير طريق الحق الشائك، والله المعين وهو يهدي السبيل.
 
 
المنافقون بين الأمس واليوم
 
لم يكن حال منافقي الأمس يختلف كثيرا عن حال منافقي عصرنا، فكلاهما نهل من مشرب واحد، مشرب الخسة والخيانة لله ورسوله والمؤمنين، كما أن مهمتهم لم تتغير؛ بث روح الهزيمة والانكسار وبث الإرجاف بين صفوف المسلمين، والهزيمة والهروب عند اللقاء وكشف ظهور المسلمين للأعداء، وهذا ما كان منهم يوم أحد، كما قال ابن هشام رحمه الله: "فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ألف من أصحابه حتى إذا كانوا بالشوط بين المدينة وأحد؛ انخذل عبد الله بن أبيّ بن سلول بثلث الناس، وقال: أطاعهم وعصاني ما ندري علام نقتل أنفسنا هاهنا أيها الناس، فرجع بمن اتبعه من أهل النفاق والريب"، ومن فعالهم ما كان من "مربع المنافق" وكان رجلا ضريرا حين مر جيش المسلمين بحائطه ذهابا لأُحد، "فلما سمع حس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه قام يحثي في وجوههم التراب ويقول: إن كنت رسول الله فإني لا أحل لك أن تدخل حائطي" [السيرة].
 
وحكى القرآن ما فعل المنافقون بأحد، فقال تعالى{وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا} قال الإمام البغوي: "أي لأجل دين الله وطاعته، (أو ادفعوا) عن أهلكم وحريمكم، وقال السدي: أي كثّروا سواد المسلمين ورابطوا إن لم تقاتلوا يكون ذلك دفعا وقمعا للعدو، (قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم)؛ وهم عبد الله بن أبيّ وأصحابه الذين انصرفوا عن أحد وكانوا ثلاثمائة"[التفسير].
 


تضحيات وبطولات
 
إنّ هذا الدين الحنيف ما وصل إلينا لولا تضحيات أولئك الأُسد الكماة الأفذاذ الذين سطروا صحائف التاريخ فخرا وعزة من دمائهم الطاهرة، فهذا الصحابي الجليل أنس بن النضر رضي الله عنه شقّ عليه أنه لم يشهد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بدرا، ينقل عنه أنس بن مالك رضي الله عنه قوله: "أول مشهد شهده رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غيبت عنه وإن أراني الله مشهدا فيما بعد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليراني اللّه ما أصنع، قال: فهاب أن يقول غيرها، قال: فشهد مع رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد، قال: فاستقبله سعد بن معاذ، فقال له أنس: يا أبا عمر وأين؟، فقال: واها لريح الجنّة أجده دون أحد، قال: فقاتلهم حتّى قتل، قال: فوجد في جسده بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية" [مسلم]، وهذا طلحة بن عبيد الله شُلّت يده لأنه وقى بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- [البخاري] وهذا حنظلة غسيل الملائكة رضي الله عنه يخرج للغزوة جُنبا ثم قاتل حتى قُتل [السيرة النبوية].
 
وذاك عمرو بن الجموح رضي الله عنه وكان شديد العرج، ألح على النبي -صلى الله عليه وسلم- للمشاركة في الغزوة رغم أنه من أصحاب الأعذار الذين عذرهم الله تعالى إلا أنه أصر وقال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنّة" فأجازه النبي فقاتل حتى قُتل، وشهد له النبي بالجنة، وفي القصة دليل على جواز خروج أصحاب الأعذار إلى الجهاد وإن لم يجب عليهم، وفيه فضل هؤلاء الأبطال، فيا حسرة على الأصحاء القاعدين!
 
كما لم تكن تلك الوقعة مقتصرة على الرجال فحسب بل كان للنساء دور بارز فيها فهذه أُم عمارة رضي الله عنها تسقي الماء حتى إذا انهزم المسلمون حملت سيفها وقوسها دفاعاً عن رسول الله حتى خلصت إليها الجراح رضي الله عنها وأرضاها [المصدر السابق].
 
إنّ أمة أنجبت ذلك الجيل حق لها أن تفخر به وتفاخر به الأمم، فهم لمّا طلقوا الدنيا أتتهم راغمة، ولـمّا بذلوا لأجل تلك الراية الدماء والمهج رُفعت خفاقة عالية حتى وصلت إلينا نقيّة، وما زال سوق الجهاد قائما وهذا المضمار فأين المشمرون!؟.
 
 
خطورة معصية الأمير
 
إنّ الفلاح والفوز في الدارين مقترنٌ بطاعة الله ورسوله، والخسران والخذلان بمعصيتهما، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى، ومن تلك الأمثلة ما كان من إدالة المشركين على المسلمين بعد أن تخلخلت صفوفهم وأوشكوا على الهزيمة، وذلك بعد معصية الرماة لأمر رسول الله ونزولهم عن الجبل، قال تعالى{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران]، قال الطبري رحمه الله "أي: لقد وفيتُ لكم بما وعدتُكم من النصر على عدوكم حين تحسُّونهم، أي: تقتلونهم، حتى إذا جبنتم وضعفتم، وعصيتم وخالفتم نبيكم وما عهد إليكم، وإنما يعني بذلك الرماة الذين كان أمرَهم -صلى الله عليه وسلم- بلزوم مركزهم ومقعدهم من فم الشعب بأُحد، بعد الذي أراكم أيها المسلمون بمحمد من النصر والظفر بالمشركين قبل ترك الرماة مقاعدهم التي كان رسول الله أقعدهم إياها، {منكم من يريد الدنيا} أي: الذين تركوا مقعدهم الذي أقعدهم إياه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولحقوا بمعسكر المسلمين طلب النهب إذْ رأوا هزيمة المشركين، {ومنكم من يريد الآخرة} يعني بذلك الذين ثبتوا من الرماة على مقعدهم التي أقعدهم فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واتبعوا أمره، محافظة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وابتغاء ما عند الله من الثواب" [التفسير].
 
وفي ذلك درس بليغ لو تأمله العاقلون وهو أن معصية الرماة لم تكن عن قصد وإصرار ولا تقصّدوا أن يخالفوا أمر نبيهم -صلى الله عليه وسلم-، إنما كان نزولهم بعد أن رأوا انتصار المسلمين على الأرض وظنوا أن المعركة انتهت فنزلوا عن الجبل ليشاركوا في جمع الغنائم وعندها حصل ما حصل، قال ابن القيم رحمه الله: "ثم أخبر سبحانه أنه عفا عنهم، لأن هذا الفرار لم يكن عن نفاق ولا شك، وإنما كان عارضا عفا الله عنه" [زاد المعاد].
 
فكيف بمن عصى ويعصي أميره عن قصد وإصرار ويزيّن له الشيطان ذلك!، فلا شك أنّ أثرها سيكون أعظم، فليحذر المسلمون عامة والمجاهدون خاصة من مغبة معصية الأمير في غير معصية الله، واعلموا رحمكم الله أن شؤم المعصية وأثرها لا يكون على من ارتكبها وحسب بل إن تأثيرها ينسحب على الجماعة كاملة، وربما على الأمة بأكملها، فعلى الرغم مِن أنّ من قام بمعصية أمر الرسول عدد قليل إلا أن أثر هذه المعصية كان على جيش المسلمين عامة، حيث بلغ عدد القتلى من المسلمين سبعين شهيدا ومُثّل في بعضهم، حتى كاد المشركون أن يقتلوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال ابن القيم رحمه الله لما ذكر الحكم التي في الغزوة "فمنها تعريفهم سوء عاقبة المعصية، والفشل والتنازع وأن الذي أصابهم هو بشؤم ذلك كله، فلما ذاقوا عاقبة معصيتهم للرسول، وتنازعهم، وفشلهم، كانوا بعد ذلك أشد حذرا ويقظة تحرزا من أسباب الخذلان" [زاد المعاد].
 
وفي وسط هذا الموقف العصيب ثبت أمير الرماة عبد الله بن جبير رضي الله عنه على الجبل ورفض أن ينزل ويخالف أمر أميره ونبيه -صلى الله عليه وسلم-، وقاتل حتى قُتل ثابتا لم يبرح ثغره ولم يفارق موقعه، وفي هذا درس في السمع والطاعة دفع صاحبه حياته ثمنا لذلك، ولم يرض أن ينصاع لأي مبررات ميدانية فقدم أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- على كل أمر، فكان من الفائزين.
 
 
الابتلاء قدر العصبة المؤمنة
 
إنّ سُنة الابتلاء والتمحيص قدر الله في أصحاب دعوة الحق، وإلا كانت الدعوة سلعة رخيصة ليس لها معنى يبتاعها كل بطال جبان، ودين الله عزيز لا يقوم لنصره إلا أصحاب العزمات من الرجال، والجنة سلعة غالية تبذل دونها المهج وترخص لأجلها الأرواح، ومن استعذب حلاوة الدين هانت عنده مرارة الابتلاء، قال تعالى{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}، قال ابن كثير رحمه الله "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولم تبتلوا بالقتال والشدائد، ولا يحصل لكم دخول الجنة حتى تبتلوا ويرى الله منكم المجاهدين في سبيله والصابرين على مقاومة الأعداء" [التفسير].
 
ولقد كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحبه الكرام رضوان الله عليهم من تلك السُنة النصيب الأعظم، فعن أبي حازم أنّه سمع سهل بن سعد وهو يسأل عن جرح رسول اللّه صلى الله عليه وسلم -يعني يوم أحد- فقال"أما واللّه إنّي لأعرف من كان يغسل جرح رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-، ومن كان يسكب الماء وبما دووي، قال: كانت فاطمة عليها السّلام بنت رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-، تغسله وعليّ بن أبي طالب يسكب الماء بالمجنّ، فلمّا رأت فاطمة أنّ الماء لا يزيد الدّم إلّا كثرة أخذت قطعة من حصير فأحرقتها وألصقتها فاستمسك الدّم، وكسرت رباعيته يومئذ، وجرح وجهه، وكسرت البيضة على رأسه" [البخاري].
 
فإن كان رسول الله وخاتم المرسلين قد جرت عليه سنة الابتلاء وأوذي وجُرح وسال دمه الشريف في معركة الإيمان، فكيف حال السائرين على دربه؟ هل يظنون أن يسلموا وتسلم لهم حياتهم وهم يريدون أن يُحَكِّموا الشريعة في البرايا، فإن عرفتَ هذا أيقنتَ أن طريق التوحيد والجهاد لن يخلو من ذلك في كل حال، وليس أمام المجاهد إلا أن يصبر ويحتسب فهذا هو الطريق ولا سواه، نسأله تعالى الثبات عليه حتى نلقاه، وصلّ اللهم وسلم على رسول الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد (387)
الخميس 29 رمضان 1444 هـ
التفريغ من إعداد: موقع إعلام.
 

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
[ من مشكاة أُحد ]
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنارة :: منتديات المنارة الشرعية :: من عبق السيرة والتاريخ-
انتقل الى: