[ توجيه حديث " وَلَوْ دُلِّيتُمْ بِحَبْلٍ لَهَبَطَ عَلَى اللهِ " ]
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
ثم أما بعد...
رَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ [ بَيْنَمَا نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ إِذْ أَتَى عَلَيْهِمْ سَحَابٌ، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
هَلْ تَدْرُونَ مَا هَذَا؟
قَالُوا اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ
قَالَ: هَذَا الْعَنَانُ، هَذِهِ رَوَايَا الْأَرْضِ يَسُوقُهَا اللهُ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْكُرُونَهُ وَلَا يَدْعُونَهُ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا فَوْقَكُمْ؟ ....
حَتَّى عَدَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ مَا بَيْنَ كُلِّ سَمَاءَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
ثُمَّ قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا فَوْقَ ذَلِكَ؟
قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ
قَالَ: فَإِنَّ فَوْقَ ذَلِكَ الْعَرْشَ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ بُعْدُ مَا بَيْنَ السَّمَاءَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا الَّذِي تَحْتَكُمْ؟
قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: فَإِنَّهَا الْأَرْضُ
ثُمَّ قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا تَحْتَ ذَلِكَ؟
قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ
قَالَ: فَإِنَّهَا الْأَرْضُ الْأُخْرَى بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ حَتَّى عَدَّ سَبْعَ أَرَضِينَ، بَيْنَ كُلِّ أَرْضَيْنِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ
ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَنَّكُمْ دُلِّيتُمْ بِحَبْلٍ إِلَى الْأَرْضِ السُّفْلَى لَهَبَطْتُمْ عَلَى اللهِ
ثُمَّ قَرَأَ: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ]
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَيُرْوَى عَنْ أَيُّوبَ وَيُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ وَعَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ قَالُوا: لَمْ يَسْمَعِ الْحَسَنُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالُوا: إِنَّمَا يَهْبِطُ عَلَى عِلْمِ اللهِ وَقُدْرَتِهِ وَسُلْطَانِهِ، وَعِلْمُ اللهِ وَقُدْرَتُهُ وَسُلْطَانُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَهُوَ عَلَى الْعَرْشِ كَمَا وُصِفَ فِي كِتَابِهِ، هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي سَنَدِهِ وَمَعْنَاهُ، فَطَائِفَةٌ قَبِلَتْهُ لِأَنَّ إِسْنَادَهُ ثَابِتٌ إِلَى الْحَسَنِ...
وَطَائِفَةً أُخْرَى رَدَّتِ الْحَدِيثَ وَأَعَلَّتْهُ بِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ، قَالُوا وَالْحَسَنُ لَمْ يَرَ أَبَا هُرَيْرَةَ فَضْلًا أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُ ...
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى: بَلْ هَذَا مَعْنَى اسْمِهِ الْمُحِيطِ وَاسْمِهِ الْبَاطِنِ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ مُحِيطٌ بِالْعَالَمِ كُلِّهِ، وَأَنَّ الْعَالَمَ الْعُلْوِيَّ وَالسُّفْلِيَّ فِي قَبْضَتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَاللهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ}
فَإِذَا كَانَ مُحِيطًا بِالْعَالَمِ فَهُوَ فَوْقَهُ بِالذَّاتِ عَالٍ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَبِكُلِّ مَعْنًى، فَالْإِحَاطَةُ تَتَضَمَّنُ الْعُلُوَّ وَالسَّعَةَ وَالْعَظَمَةَ، فَإِذَا كَانَتِ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرَضُونَ السَّبْعُ فِي قَبْضَتِهِ فَلَوْ وَقَعَتْ حَصَاةٌ أَوْ دُلِّيَ بِحَبْلٍ لَسَقَطَ فِي قَبْضَتِهِ سُبْحَانَهُ، وَالْحَدِيثُ لَمْ يُقَلْ فِيهِ إِنَّهُ يَهْبِطُ عَلَى جَمِيعِ ذَاتِهِ، فَهَذَا لَا يَقُولُهُ وَلَا يَفْهَمُهُ عَاقِلٌ، وَلَا هُوَ مَذْهَبُ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ أَلْبَتَّةَ، لَا الْحُلُولِيَّةُ وَلَا الِاتِّحَادِيَّةُ وَلَا الْفِرْعَوْنِيَّةُ وَلَا الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ بِذَاتِهِ، وَطَوَائِفُ بَنِي آدَمَ كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَيْسَ تَحْتَ الْعَالَمِ.
فَقَوْلُهُ [ وَلَوْ دُلِّيتُمْ بِحَبْلٍ لَهَبَطَ عَلَى اللهِ ] إِذَا هَبَطَ فِي قَبْضَتِهِ الْمُحِيطَةِ بِالْعَالَمِ هَبَطَ عَلَيْهِ وَالْعَالَمُ فِي قَبْضَتِهِ وَهُوَ فَوْقَ عَرْشِهِ، وَلَوْ أَنَّ أَحَدَنَا أَمْسَكَ بِيَدِهِ أَوْ بِرِجْلِهِ كُرَةً قَبَضَتْهَا يَدُهُ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهَا ثُمَّ وَقَعَتْ حَصَاةٌ مِنْ أَعْلَى الْكُرَةِ إِلَى أَسْفَلِهَا لَوَقَعَتْ فِي يَدِهِ وَهَبَطَتْ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَلْزَمْ أَنْ تَكُونَ الْكُرَةُ وَالْحَصَاةُ فَوْقَهُ وَهُوَ تَحْتَهَا، وَلِلهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَإِنَّمَا يُؤْتَى الرَّجُلُ مِنْ سُوءِ فَهْمِهِ أَوْ مِنْ سُوءِ قَصْدِهِ مِنْ كِلَيْهِمَا، فَإِذَا هُمَا اجْتَمَعَا كَمُلَ نَصِيبُهُ مِنَ الضَّلَالِ.
وَأَمَّا تَأْوِيلُ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ بِالْعِلْمِ فَقَالَ شَيْخُنَا: هُوَ ظَاهِرُ الْفَسَادِ مِنْ جِنْسِ تَأْوِيلَاتِ الْجَهْمِيَّةِ بَلْ بِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ، فَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِحَاطَةِ، وَالْإِحَاطَةُ ثَابِتَةٌ عَقْلًا وَنَقْلًا وَفِطْرَةً كَمَا تَقَدَّمَ .ا.هــ المراد
ـــــــــــــــــــــــــ
منقول :