المنارة
المنارة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


مشكاة هداية ونور في دياجير الظلام
 
الرئيسيةس .و .جالتسجيلدخول

 

  مواسم الطاعات.. فرص ثمينة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مسلمة

مسلمة


تاريخ التسجيل : 15/06/2021

 مواسم الطاعات.. فرص ثمينة Empty
مُساهمةموضوع: مواسم الطاعات.. فرص ثمينة    مواسم الطاعات.. فرص ثمينة I_icon_minitimeالأحد فبراير 26, 2023 1:01 pm

بسـم الله الرحمـن الرحيـم..
*** 


مواسم الطاعات..
فرص ثمينة


خلَق الله تعالى الخلْق لغاية وحيدة هي عبادته وحده سبحانه، بشتى صور العبادة المشروعة في الكتاب والسنة، ومِن رحمته تعالى بالعباد أنْ أعانهم ويسّر لهم سُبل طاعته والتقرّب إليه في كل وقت وحين، وزادهم مِن فضله فجعل لهم على مدار العام مواسم للطاعات وفرصا للعبادات يتزوّدون فيها لِما بعد مماتهم، فيضاعِف لهم فيها الأجور برغم قصر أعمارهم، وهذه الفرص والمواسم قد تكون محدودة بزمان معيّن أو مخصوصة بمكان معيّن لا يظفر بها المسلم في غيره، ولذلك هو يتحيّنها ويترقّبها بلهفة وحرص لئلا يفوته ما فيها من أجر كبير في وقت قصير.




الاستعداد لمواسم الطاعات


ولقد حفلت كُتب ومرويات السلف بالحثّ على الاستعداد لمواسم الطاعات واغتنام ما فيها من مزايا وأوقات، وذلك امتثالا لعموم النصوص الشرعية الآمرة بالمسارعة إلى الطاعات كما في قوله تعالى: {وسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ…}، وكما في الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم..) [مسلم].


ولا شك أن العبد الموفّق هو مَن امتثل هذه الآيات وسارع وبادر؛ فأحسن استغلال هذه المواسم والأوقات، وتعرّض لما فيها من نفحات وبركات، كما بيّن ذلك الإمام ابن رجب -رحمه الله- فقال: "وما من هذه المواسم الفاضلة موسم إلا وللّه تعالى فيه وظيفة من وظائف طاعاته، يتقرّب بها إليه، وللّه فيه لطيفة من لطائف نفحاته، يصيب بها من يعود بفضله ورحمته عليه، فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والسّاعات، وتقرّب فيها إلى مولاه بما فيها من وظائف الطّاعات، فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النّفحات، فيسعد بها سعادة يأمن بعدها من النّار وما فيها من اللّفحات"[لطائف المعارف]


ولذلك ينبغي للعبد أن يتحيّن مواسم الطاعات ويترقّبها بلهفة وشوق، فيتهيأ لها ويستعد قبل قدومها، وهذا الاستعداد دليل على قوة إيمان العبد وحرصه على مرضاة الله تعالى، وتأمّل حال أنس بن النضر -رضي الله عنه- في الاستعداد لعبادة الجهاد، فقد قال رضي الله عنه: "غبت عن أوّل قتال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، لئن أشهدني اللّه مع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ليرينّ اللّه ما أجِدُّ، فلقي يوم أحد، فهُزِم النّاسُ، فقال: اللّهمّ إنّي أعتذر إليك ممّا صنع هؤلاء، يعني المسلمين، وأبرأ إليك ممّا جاء به المشركون، فتقدّم بسيفه فلقي سعد بن معاذ، فقال: أين يا سعد، إنّي أجد ريح الجنّة دون أحد، فمضى فقتل، فما عرف حتّى عرفته أخته بشامة أو ببنانه، وبه بضع وثمانون من طعنة وضربة ورمية بسهم" [البخاري]، فقد استعد هذا الصحابي الجليل استعدادا قلبيا لطاعة الجهاد، عبّر عنه بلسانه ثم صدّقه بأفعاله، ولا شيء يُصدّق القولَ مثل العمل.


والحاصل، أن الاستعداد لمواسم الطاعات يكون قبل مجيء وقتها، وذلك بتهيئة القلب وتفريغ الذهن من شواغل الدنيا وملهياتها، مع تبييت النية سلفًا وعقد العزيمة صدقًا على اغتنامها، والتوجه إلى الله تعالى بالدعاء والتضرّع أن يبلغنا إيّاها ويعيننا فيها على حسن عبادته، فالتوفيق إلى ذلك هو فضل الله تعالى يؤتيه من يشاء.




مواسم وأماكن الطاعات


ولما كانت أعمار هذه الأمة قصيرة كما روي في السنن خلافًا لأعمار الأمم السابقة، عوّضها الله عن ذلك بمضاعفة الأجور في مواسم وأماكن معينة، وطُلاب الآخرة هم أحرص الناس على استغلال هذه المواسم والتنافس فيها، ليتزوّدوا من دار الفناء لدار البقاء.


ومن ذلك أنّ الله تعالى فضّل الأزمنة على بعضها من حيث الأجور وحصول البركة، فالعبادة في ليلة القدر خير من ألف شهر فيما سواها، لقوله تعالى: {ليلة القدر خير مّن ألف شهر}، والعبادة في العشر الأوائل من ذي الحجة أفضل من غيرها من أيام العام لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه) [البخاري]، والقيام في رمضان ليس كالقيام في غيره من ليالي العام، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (من قام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدّم من ذنبه) [متفق عليه]


وكذلك فضّل الله تعالى بعض الأمكنة على بعضها، فالصلاة في المسجد الحرام والمسجد النبوي بأضعاف الصلاة في غيرهما، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام) [متفق عليه]، وكذلك صلاة الرجل في المساجد خلف إمامٍ مسلمٍ أفضل من الصلاة في بيته، وصلاة المرأة في بيتها أفضل من الصلاة في المسجد، وهكذا.




لطيفة


ومضاعفة أجور الأعمال في بعض الأزمنة والأمكنة إنما هي فرص للعبد الفطن، ليستغلها للمسارعة والسباق نحو جنّة عرضها السماوات والأرض، فإنه قد لا يحصلها في زمان آخر مِن عمره، كما قال ابن القيم -رحمه الله-: "إن الرجل إذا حضرت له فرصة القربة والطاعة فالحزم كلُّ الحزم في انتهازها والمبادرة إليها، والعجز في تأخيرها والتسويف بها، ولا سيما إذا لم يثق بقدرته وتمكُّنه من أسباب تحصيلها، فإن العزائم والهمم سريعة الانتقاض قلَّما تثبت" [زاد المعاد].


وهذا ملاحظُ في عصرنا والله المستعان، فكم مِن طاعة توفّرتْ لك أسبابها فقصَّرتَ فيها فلم تعد إليك مِن يومها، وكم مِن موسم خير جاءك يسعى وأنت عنه تلهّى فلم تدركه بعدها إلا أن يشاء الله، ولذلك إنْ انشرحت نفسُك لعبادة في وقت ما فلا تقم حتى تأتي منها ما استطعت، وإنْ وجدتَ قلبك حاضرا للعبادة في مكان ما، فلا تبرحه حتى ترتوي، وهذا مِن فقه العبادة وفقه القلوب الذي زهد الناس فيه والله المستعان.




بين يدي شعبان


وها نحن اليوم نعيش أيام شعبان، وهو من مواسم الطاعات التي يغفل عنها كثير من الناس قديما وحديثا، كما بيّن ذلك ابن رجب في لطائفه فقال: "لمّا اكتنفه شهران عظيمان: الشهر الحرام وشهر الصيام؛ اشتغل الناس بهما عنه، فصار مغفولا عنه"، ثم علّق على ذلك تعليقا جميلا فقال: "إن بعض ما يشتهر فضله من الأزمان أو الأماكن أو الأشخاص؛ قد يكون غيره أفضل منه، إما مطلقا أو لخصوصية فيه لا يتفطن لها أكثر الناس فيشتغلون بالمشهور عنه، ويفوّتون تحصيل فضيلة ما ليس بمشهور عندهم".


وقد كان السلف الصالح يكثرون من القرآن في هذا الشهر كما روي عن حبيب بن أبي ثابت أنه "إذا دخل شعبان قال: هذا شهر القراء، وكان عمرو بن قيس الملائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته -دكانه- وتفرّغ لقراءة القرآن".


ولاشك أنّ الحكمة من استغلال شهر شعبان بالطاعات هو التهيؤ لما بعده، فهو كالمقدّمة لرمضان، تتعوّد فيه النفس على العبادات من صيام النهار وقيام الليل وقراءة القرآن حتى إذا جاء رمضان لم تستثقل النفوس هذه العبادات ولم تشقّ عليها، ومن العبادات التي كان يكثر منها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شهر شعبان هو الصيام، فقد كان -صلى الله عليه وسلم- يصوم أكثره إلا قليلا، كما في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، فما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياماً منه في شعبان"، والتأسّي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- عبادة، فهو الأسوة الحسنة عليه الصلاة والسلام.




فائدة


ومع أن الصوم مندوب إليه في هذا الشهر الفضيل، إلا أنّ على المجاهد القابض على الجمر في ميادين الجهاد، أنْ يتنبه لمسألة مهمة، وهي إنْ كان صوم النافلة يُضعفه ويُقعده عن أداء واجبات الجهاد فعندها يكون ترك الصوم أولى، فإن الواجبات مقدّمة على النوافل قطعًا، أما إذا كان المجاهد قادرا على الجمع بين هذه العبادات والنوافل دون تقصير في فريضة الجهاد، فذلك دأب الصالحين والله المعين، فإن المؤمن يطرق من أبواب الخير ما استطاع، وتأمل حال الصدّيق -رضي الله عنه-، فقد سأل رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- الصحابةَ يوما: (من أصبح منكم اليوم صائما؟ قال أبو بكر: أنا، قال: فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا، قال: فمن أطعم منكم اليوم مسكينا؟ قال أبو بكر: أنا، قال: فمن عاد منكم اليوم مريضا؟ قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما اجتمعن في امرئ إلّا دخل الجنّة). [مسلم]




الجهاد.. موسم مفتوح!


ولئن كان للطاعات مواسم وأماكن تُضاعف فيها الأجور، فإن الله تعالى جعل الجهاد موسمًا مفتوحًا؛ زمانه كل وقت استدعى أسبابه، ومكانه كل أرض الله تعالى حتى تُحكم بشرعه، فهو فرصة مستمرة وموسم ممتد لا ينقطع إلى يوم القيامة، كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة: الأجر والمغنم) [متفق عليه]، فإن اجتمعت فضيلة الجهاد مع فضل موسم طاعة أخرى، كان ذلك نورا على نور، وخيرا فوق خير، فليحمد المجاهدون ربّهم سبحانه، أنْ وفقهم لهذه العبادة العظيمة، وليستشعروا عظيم منّة الله عليهم، ويسألوه الإخلاص والثبات على هذا الطريق حتى يلقونه، أما مَن تأخّر عن الركب، فليبادر إليه قبل فوات الأوان، فإن الله تعالى قد يفتح باب طاعة للعبد ليختبره فيه، فإن لم يستغله حال بينه وبين قلبه، وهذا أمر خطير ذكره ابن القيم -رحمه الله- فقال: "واللهُ سبحانه يعاقب مَن فتح له بابًا من الخير فلم ينتهزه؛ أن يحول بين قلبه وإرادته فلا يمكِّنَه بعدُ مِن إرادته عقوبةً له، فمن لم يستجب لله ورسوله إذا دعاه حال بينه وبين قلبه، فلا يُمْكنه الاستجابةُ بعد ذلك؛ قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وقَلْبِه}، وقد صرّح سبحانه بهذا في قوله: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ}، وقال تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ}، وقال: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ}، وهو كثير في القرآن" [زاد المعاد].


وبعد، فإن المؤمن يفرح بمواسم الطاعات لا يستثقلها، فهي فضل من الله ورحمة، والله تعالى يقول: {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس]، وإدراكها والتوفيق إلى العبادة فيها فرصة ثمينة، ينبغي للعبد ألا يفوّتها، نسأل الله الكريم أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته في كل الأوقات والظروف، إنه سميع قريب مجيب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد (379)
الخميس 3 شعبان 1444 هـ
التفريغ من إعداد: موقع إعلام.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مواسم الطاعات.. فرص ثمينة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنارة :: مكتبة المنارة :: قسم التزكية والرقائق-
انتقل الى: