المنارة
المنارة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


مشكاة هداية ونور في دياجير الظلام
 
الرئيسيةس .و .جالتسجيلدخول

 

 " لا تـغضـب "

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مسلمة

مسلمة


تاريخ التسجيل : 15/06/2021

" لا تـغضـب " Empty
مُساهمةموضوع: " لا تـغضـب "   " لا تـغضـب " I_icon_minitimeالخميس يناير 12, 2023 12:53 pm

بسـم الله الرحمـن الرحيـم
***


" لا تغضب "


الغضب هو "غليان دم القلب طلبًا لدفع المؤْذِي عند خشية وقوعه، أو طلبًا للانتقام ممن حصل منه الأذى بعد وقوعه، وينشأُ من ذلك كثير من الأفعال المحرمة كالقتل، والضرب، وأنواع الظلم، والعدوان، وكثير من الأَقوال المحرمة، كالقذف، والسَّبّ، والفحش، وربما ارتقى إلى درجة الكفر" [جامع العلوم والحكم]


ولهذا الانفعال النفسي، الذي قد يؤدي لما تقدم من محرمات، دوافع وأسباب، وله كذلك علاج ناجع من الكتاب والسنة ولله الحمد، كما منه ما هو محمود وما هو مذموم، ونستعرض في هذا المقال جانبا من ذلك إن شاء الله تعالى.




لا تغضب!


عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "أوصني" قال: (لا تغضب) فردّد مِراراً، قال: (لا تغضب) [البخاري]، قال ابن رجب: "فقوله -صلى الله عليه وسلم- لمن استوصاه: "لا تغضب" يحتمل أَمرين، أَحدهما: أَن يكون مرادُه الأَمرَ بالأَسباب التي توجب حسنَ الخلق، من الكرم والسخاء، والحلم، والحياء، والتواضع، والاحتمال، وكف الأَذى، والصفح، والعفو، وكظم الغيظ، والطلاقة، والبشر، ونحو ذلك من الأخلاق الجميلة؛ فإن النَّفْسَ إذا تخلَّقت بهذه الأخلاق، وصارت لها عادة، أَوجبت لها ذلك دفع الغضب عند حصول أَسبابه، والثاني: أن يكون المراد: لا تعمل بمقتضى الغضب إذا حصل لك، بل جاهد نفسك على ترك تنفيذه، والعمل بما يأْمر به؛ فإن الغضب إذا ملك ابنَ آدم كان كالآمِر الناهي له؛ ولهذا المعنى قال الله عز وجل: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ}، فإِذا لم يمتثل الإنسان ما يأْمره به غضبه، وجاهد نفسه على ذلك اندفع عنه شر الغضب، وربما سكنَ غضبه، وذهب عاجلًا، وكأَنه حينئذ لم يغضب" [جامع العلوم والحكم]




ليس الشديد بالصُّرَعَة


وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (لَيْسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ؛ إِنَّما الشَديدُ الذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ) [متفق عليه]، وفي الحديث مدح لمن يملك نفسه عند الغضب، وفيه أيضا تنبيه على أن الغضب ليس علامة على الرجولة كما قد يتصور بعض الناس، بل الرجل الشديد هو مَن إذا غضِب لم يفقد صوابه، وسيطر على تصرفاته، فلا تخرج به للتجاوز على حدود الله والتعدي على خلقه، فلا بد له أن يملك نفسه في لحظات الفوران هذه، فقد قيل: إن الغضب مفتاح الشرور.


ومن ذمّ الغضب أيضا هو وصف الله تعالى لنفسه بأنه "حليم" في كثير من آيات الكتاب الحكيم كقوله تعالى: {وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَلِيمًا} [الأحزاب] وقوله سبحانه: {وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ} [التغابن]، وجعل صفة الحلم المنافية للغضب من صفات أنبيائه الكرام -عليهم السلام- كما ذكر سبحانه عن قوم شعيب -عليه السلام- قولهم وهم يخاطبونه: {إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هود] وما وصف به خليله إبراهيم -عليه السلام-: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ} [هود].




علاج الغضب


فينبغي للمسلم الذي فار فيه الغضب أن يبادر لكظمه وتخفيف حدته، ومما يساعد على ذلك هو أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، قال تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت]، وفي الصحيحين عن سليمان بن صرد -رضي الله عنه- قال: "استبّ رجلان عند النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحن عنده جلوس، وأحدهما يسبّ صاحبه، مغضبا قد احمرّ وجهُه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجِد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)" [متفق عليه]، ومن ذلك: أن يتأمل فيما أعده الله تعالى من أجر جزيل للكاظمين الغيظ، فقد عدّهم الله تعالى في المتقين بقوله: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران]، ومن ذلك أيضا أن يتفكر في عاقبة الغضب المشينة، من فساد ذات البين أو ظلم الناس أو التعدي على حدود الله، وما يترتب على ذلك من إثم في الآخرة، ومنه كذلك التفكّر بالندم الذي يعقب الغضب وما ينتج عنه، كما قال ابن الجوزي -رحمه الله-: "وكم مَنْ غَضِبَ، فقتل، وضرب، ثم لما سكن غضبه؛ بقي طول دهره في الحزن والبكاء والندم" [صيد الخاطر]، ومما يعين على تجنب الغضب أيضا تعويد النفس على الغضب لله تعالى وترك الغضب للنفس وأهوائها، قال ابن القيم -رحمه الله-: "وقَلْع الغضب بمعرفة النفس وأنها لا تَستحقُّ أن يغضب لها وينتقم لها؛ فإن ذلك إيثارٌ لها بالرضى والغضب على خالقها وفاطرها، وأعظم ما تدفع به هذه الآفة أن يُعوِّدها أن تَغضَب له سبحانه وترضى له؛ فكلما دخلها شيءٌ من الغضب والرضى له خرجَ منها مقابله من الغضب والرِّضى لها، وكذا بالعكس"[الفوائد]


ومن علاجه أيضا هو الصمت، والتفكّر في أنه من صفات المؤمنين بالله واليوم الآخر، كما في الصحيحين عن أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ)، ومما يعين على كسر حدته كذلك أنّ من كان قائما حال غضبه فإنه يقعد، ومن كان قاعدا فليضطجع، كما في الحديث الذي رواه أبو داود عن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إذا غضبَ أحدُكم وهو قائمٌ فلْيجلسْ، فإن ذهبَ عنه الغضبُ وإلَّا فلْيَضْطَجِعْ)، وقد ورد حديث فيه مقال أن الغضبان يتوضأ ليُبرِد حرّ ما يجد من الغضب، فإن الشيطان المؤجج للغضب مخلوق من نار، والماء يطفئ النار؛ وهو بالتجربة أمر نافع إن شاء الله.




الغضب المحمود غضب النبي -صلى الله عليه وسلم-


واعلم أنّ الغضب منه ما هو مذموم، ومنه ما هو ممدوح، أما المذموم فهو الذي يدفع صاحبه لتجاوز حدود الله والتعدي على خلقه بالباطل، انتقاما لنفسه ودفعا لفورة الغضب التي تغلي في داخله، أما الغضب الممدوح فهو غضب لله تعالى إذا انتُهكت محارمه، ليس للنفس وهواها فيه نصيب، وكان هذا هو خُلُق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي وصفته به أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- بقولها: "ما ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئا قَطُّ بيده، ولا امرأة ولا خادما، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيِل منه شيء قَطُّ فينتقم من صاحبه، إلا أن يُنتهك شيءٌ من محارم الله تعالى، فينتقم لله تعالى" [مسلم]، وهذا ما وجدناه في سيرته الطيبة المباركة، فتأمّل ما رواه البخاري عن أنس -رضي الله عنه- أنه قال: "كنتُ أمشي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعليه بُردٌ نجرانيٌ غليظُ الحاشيةِ، فأدركه أعرابيٌ فجبَذَ بردائِه جبذةً شديدة! قال أنس: فنظرتُ إلى صفْحةِ عاتق النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد أثّرت بها حاشيةُ الرداء من شدّة جبذتِه، ثم قال: "يا محمد، مُرْ لي من مال الله الذي عندك! فالتفتَ إليه فضحِك ثم أمر له بعطاء"، فلم يغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لنفسه ولم ينتقم لها حاشاه، لكن تأمّل حاله إذا انتهكت محارم الله تعالى، روى الشيخان عن عائشة -رضي الله عنها-: "أنّ قريشا أهمّهم شأنُ المرأة التي سرقت في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة الفتح، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بنُ زيد، حِبُّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأُتي بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكلمه فيها أسامةُ بن زيد، فتلوّنَ وجهُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: (أتشفع في حدٍّ من حدود الله؟!) فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول الله، فلما كان العشيّ، قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فاختطب، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: (أما بعد، فإنما أهلكَ الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرَق فيهم الشريفُ تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيفُ أقاموا عليه الحد، وإني والذي نفسي بيده، لو أنّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)، ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت، فقُطعت يدها"، ومن ذلك ما رواه البخاري عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "قال رجل: يا رسول الله، إني لأتأخّر عن الصلاة في الفجر مما يطيل بنا فلانٌ فيها، فغضب رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ما رأيته غضِب في موضع كان أشدّ غضبا منه يومئذٍ، ثم قال: (يا أيها الناس إنّ منكم منفّرين، فمن أمَّ الناس فليتجوز فإن خلفه الضعيف والكبير وذا الحاجة)".


فهذا هو المقصود بالغضب الممدوح، وهو أن يكون غضبا لله ودينه وحرماته، لا لهوى النفس وحظوظ الدنيا، وتأمّل وصف الله تعالى لموسى -عليه السلام- وقد وجد قومه يعبدون العجل من دون الله بعد أن تركهم: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي..}، قال ابن كثير:"قال أبو الدرداء "الأسف": أشدّ الغضب" [التفسير].




غضب الصالحين


وقد سار الصالحون على درب الأنبياء والمرسلين، يغضبون إذا انتهكت محارم الله، ويثورون إن استبيحت حدوده، فهذا الصدّيق -رضي الله عنه- الرقيق البكّاء، تراه أسدا هصورا، وهو يحسم أمر قتال المرتدين حسما قاطعا حين قال: "واللهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَن فَرَّقَ بيْنَ الصَّلَاةِ والزَّكَاةِ، فإنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ المَالِ، واللهِ لو مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إلى رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لَقَاتَلْتُهُمْ علَى مَنْعِهَا…" وهذا أحمد بن حنبل في موقف الفتنة الذي عمّ شره على المسلمين، يقول أبو معمر القطيعي -رحمه الله-: "لما أُحضرنا إلى دار السلطان أيام المحنة، وكان أحمد بن حنبل قد أُحضر، فلما رأى الناس يجيبون، وكان رجلا لينًا، فانتفخت أوداجه، واحمرّت عيناه، وذهب ذلك اللين، فقلت: إنه قد غضب لله، فقلت: أبشر، حدثنا ابن فضيل، عن الوليد بن عبد الله بن جميع، عن أبي سلمة، قال: كان من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مَن إذا أريد على شيء من أمر دينه، رأيت حماليق عينيه في رأسه تدور كأنه مجنون!"[سير أعلام النبلاء]


ومن ذلك غضب المجاهد على أعداء الله، وتصريف ذلك الغضب شدةً وغلظة عليهم، بقتلهم والفتك بهم، أما من يسمع صرخات المستضعفين ويرى تطاول المجرمين على دين رب العالمين وحرمات المسلمين فلم يغضب ولم يتحرك فيه ساكن، فهذا ليس من الحلم في شيء! بل هو جبان النفس ضعيف الدين قليل المروءة، لا بد أن يرى لنفسه علاجا، ليخرج بها من وحل الدونية هذا !


نسأل الله أن يجعل غضبنا كله له سبحانه، وأن يردّنا إليه ردا جميلا، وأن يجنبنا شرور أنفسنا، وأن يعصمنا من الهوى والشيطان، إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد (372)
الخميس 12 جمادى الآخرة 1444 هـ
التفريغ من إعداد : موقع إعلام.

الغريب يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
" لا تـغضـب "
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنارة :: مكتبة المنارة :: قسم التزكية والرقائق-
انتقل الى: