المنارة
المنارة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


مشكاة هداية ونور في دياجير الظلام
 
الرئيسيةس .و .جالتسجيلدخول

 

 " الإيمان بالغيب "

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مسلمة

مسلمة


تاريخ التسجيل : 15/06/2021

" الإيمان بالغيب " Empty
مُساهمةموضوع: " الإيمان بالغيب "   " الإيمان بالغيب " I_icon_minitimeالثلاثاء يناير 03, 2023 5:40 pm

" الإيمان بالغيب "


الحمد لله العليم الحكيم، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:


لا يقف إيمان المؤمن الصادق، حتى يترقّى في مدارج السالكين، ويعتلي بعمله الصالح نحو الدرجات العلى والنعيم المقيم، دليله في ذلك نصوص الوحي، يعمل بها مصدقا مستسلما وكل يوم يزداد يقينا بتلك النصوص، وما يقدّمه إلا الإيمان بالغيب، نعم إنه الإيمان بالغيب الذي جعل من الصحابة خير القرون ومن الأئمة خير الناس، ورفع الصالحين والصابرين، وأبكى الخاشعين والقانتين، وحمل المجاهدين على ركوب الأخطار.


إن الإيمان بالغيب، يُعد هو الحقيقة للإيمان، بل هو محط الاختبار وهو ميزان التفاوت بين العباد، فمن عظم إيمانه بما ذكر الله من المغيبات واستحضرها كان أقرب إلى الله وأجدّ عملا وأحرص على الجنة وأخوف من النار، ومن غفل عنها وتناساها ضعف يقينه وكان أقلّ عملا وأبعد مقاما.


وقد أخفى الله تعالى على العباد أمورا في هذه الدنيا لأسباب عديدة منها الاختبار ومنها ضعف أجسادهم وعقولهم عن رؤيتها وإدراكها وغير ذلك وله الحِكم الباهرة، ومن ذلك ما قاله سبحانه وتعالى في أمر الآخرة: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} [طه: 15]، فقد أخفى الله أمر الساعة وجعله غيبيا ليعمل الناس بحسب هذا الإيمان ويُجازون عليه، فإذا انكشف أمر الغيب لم تكن مزية بين المؤمن والفاجر، قال ابن رجب: "فإن الإيمان والتوبة وسائر الأعمال إنما تنفع بالغيب فإذا كشف الغطاء وصار الغيب شهادة لم ينفع الإيمان ولا التوبة في تلك الحال وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن علي قال: لا يزال العبد في مهل من التوبة ما لم يأته ملك الموت بقبض روحه فإذا نزل ملك الموت فلا توبة حينئذ" [لطائف المعارف].




الإيمان بالغيب صفة المتقين


أول ما يبدأ القارئ بقراءة كلام ربه فيمر بسورة البقرة يجد أن الله وصف هذا القرآن بأنه هداية للمتقين، ثم ذكر الله صفات المتقين، وكانت أولاها قوله سبحانه: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: 2-3] قال الطبري: "عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، "بالغيب": أما الغيْبُ فما غابَ عن العباد من أمر الجنة وأمرِ النار، وما ذكر الله تبارك وتعالى في القرآن. لم يكن تصديقهُم بذلك -يعني المؤمنين من العرب- من قِبَل أصْل كتابٍ أو عِلْم كان عندَهم". [التفسير]، ونحو هذا قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 48-49]


ومن كمُل إيمانه خاف ربه وخشيه بالغيب، وبلوغ المؤمن لهذه الدرجة يظفره بالأجر العظيم عند الله ويحقق له دخول الجنة، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [الْمُلْكِ :12]، وقال تعالى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا} [مريم: 61]، وقال تعالى: {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} [ق: 32-33]، وإن الله عز وجل ليثني على عباده في الجنة حين آمنوا به بالغيب ولم يروه، قال ابن القيم رحمه الله: "ثم يوحي الله سبحانه إلى حملة العرش فيوضع بين ظهراني الجنة وبينه وبينهم الحجب فيكون أول ما يسمعون منه أن يقول أين عبادي الذين أطاعوني في الغيب ولم يروني وصدقوا رسلي واتبعوا أمري فسلوني فهذا يوم المزيد" [حادي الأرواح].




إذا خافه بالغيب


وكثير من المنهيات يقرِّبها الله للعبد ليختبر إيمانه ومخافته لربه في الغيب، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ} [المائدة: 94]، فمتى ما تهيأت أسباب المعصية فإن الله ينظر لعبده ما هو صانع حينئذٍ، فالمؤمن يذكر الله في الغيب والشهادة، وكان من دعائه -صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ) [صحيح ابن حبان]، قال ابن القيم في هذا الحديث: "ولما كانت خشية الله عز وجل رأس كل خير في المشهد والمغيب، سأله خشيته في الغيب والشهادة".[إغاثة اللهفان]




درجة الصديقية


ومن تقدم به الإيمان بالغيب ورسخ رزق درجة الصديقية، قال ابن القيم رحمه الله: "وأما الصديق فهو الذي كمل مقام الصديقية لكمال بصيرته حتى كأنه قد باشر بصره مما أخبر به الرسول ما باشر قلبه فلم يبق بينه وبين إدراك البصر إلا حجاب الغيب فهو كأنه ينظر إلى ما أخبر به من الغيب من وراء ستوره وهذا لكمال البصيرة وهذا أفضل مواهب العبد وأعظم كراماته التي يكرم بها وليس بعد درجة النبوة إلا هي ولهذا جعلها سبحانه بعدها فقال: {وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ}، وهذا هو الذي سبق به الصديق لا بكثرة صوم ولا بكثرة صلاة وصاحب هذا يمشي رويدا ويجيء في الأول ولقد تعناه من لم يكن سيره على هذا الطريق وتشميره إلى هذا العلم وقد سبق من شمر إليه وإن كان يزحف زحفا ويحبو حبوا" [بدائع الفوائد].


وقد أثنى الله على المؤمنات الصالحات فقال تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ} [النساء: 34] قال ابن كثير: "قال السدي وغيره: أي تحفظ زوجها في غيبته في نفسها وماله" [التفسير].




الجهاد من الإيمان بالغيب


ولا تجعل أخي المسلم من كان ضعيف الإيمان بالغيب قدوة لك في الدين وخاصة من قعد عن الجهاد وخذّل عنه، فعن أبي حازم أنه قال: "يا بني لا تقتد بمن لا يخاف الله بظهر الغيب، ولا يقف عن العيب، ولا يصلح عند الشيب" [العمر والشيب لابن أبي الدنيا].


ومن الإيمان بالغيب حسن الظن بالله فيما يُصيب المؤمن أو ما تُصاب به أمة الإسلام من مصائب أو مآسٍ، لو كُشفت للمؤمن حُجب الغيب لعلم حكمة الله العظيمة خلف تلك المكاره، قال تعالى: {مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} [آل عمران: 179]، قال ابن كثير: "وقال قتادة: ميز بينهم بالجهاد والهجرة" [التفسير].


والموقن من لم يتأثر بمن لا يؤمن بالغيب أو يثنيه شدة غفلة أهل زمانه، قال ابن القيم رحمه الله في المؤمن الموقن المتمكن: "قال الله تعالى {ولا يستخفنك الذين لا يوقنون} [الروم: 60]، وجه استدلاله بالآية في غاية الظهور، وهو أن المتمكن لا يبالي بكثرة الشواغل، ولا بمخالطة أصحاب الغفلات، ولا بمعاشرة أهل البطالات، بل قد تمكن بصبره ويقينه عن استفزازهم إياه، واستخفافهم له، ولهذا قال تعالى: {فاصبر إن وعد الله حق} [الروم: 60] فمن وفى الصبر حقه، وتيقن أن وعد الله حق لم يستفزه المبطلون، ولم يستخفه الذين لا يوقنون ومتى ضعف صبره ويقينه أو كلاهما استفزه هؤلاء واستخفه هؤلاء، فجذبوه إليهم بحسب ضعف قوة صبره ويقينه، فكلما ضعف ذلك منه قوي جذبهم له، وكلما قوي صبره ويقينه قوي انجذابه منهم وجذبه لهم". [مدارج السالكين]


والقيام بالجهاد من الإيمان بالغيب، قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد: 25]، وما تلكّأ كثير من المسلمين عن الجهاد إلا لضعف إيمانهم بالغيب وانشغالهم بالدنيا وشهواتها؛ أو افتتانهم بكثرة الأعداء وعتادهم، والذي لم يلتفت إليه المجاهدون أمام وعد الله الحق الذي قد اقترب، قال تعالى: {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ}، فأبشروا أيها المجاهدون بالنصر فلن يخيّب الله ظنكم به ولن يخلفكم وعده سبحانه، وأبشر أيها الأسير بالنصر وأبشري أيتها العفيفة بالنصر، فقد مضت إرهاصات النصر من الزلزلة للمؤمنين وحديث اليأس، وبدت طلائع النصر تلوح في الأفق، وتلك غيوم العذاب على الكافرين أبرقت.


فنسأل الله أن يمن على عباده بوعده الذي لا يُخلَف وأن يحقّ على الكافرين بأسه الذي لا يُرد، والحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد (371)
الخميس 5 جمادى الآخرة 1444 هـ
التفريغ من إعداد : موقع إعلام.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
" الإيمان بالغيب "
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنارة :: مكتبة المنارة :: قسم التزكية والرقائق-
انتقل الى: