من صام متطوعا ثم أفطر؟ :
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:
جاء عَن سَعِيدِ بْنِ جُبَير، وغيره: «أنَّ عائِشَةَ، وحَفْصَةَ، أصْبَحَتا صائِمَتَيْنِ فَأفْطَرَتا، فَأمَرَهُما النَّبِيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بِقَضائِهِ»
[ مصنف ابن أبي شيبة (٩٠٩٢) وغيره]
(قلت) أنكر الإمام أحمد هذا الحديث كما نقل عنه الأثرم قال: قُلت لأبي عبد الله: تَحفَظُ عن يَحيَى عن عمرة عن عَائشة: أصبَحتُ أنا وحَفصَة صائمتين. فأنكَره، وقال: مَن رواه؟ قلت: جرير. فقال: جرير يحدث بالتوهم، وأشياء عن قتادة يسندها جرير بن حازم باطلة.
[شرح العمدة كتاب الصوم (٢/ ٦١٢)]
(قلت) وللحديث عدَّة طُرق وأصحها أنه مرسل كما ذكر هذا الترمذي في سننه (٧٣٥).
#القضاء_على_الرجل_يصوم_تطوعًا_ثُم_يفطر:
القول بقضاء الصيام في الرَّجل يصومُ تَطَوُّعًا ثُمَّ يُفطر، مذهب عدَّة من أصحاب النَّبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وهي رواية عن ابن عبَّاس ـ رضي الله عنهما ـ، وبه أخذ الحسن البصري، ومكحول، وعطاء، ومجاهد، وابراهيم النخعي.
عن أنَسِ بنِ سِيرِينَ، «أنَّهُ صامَ يَوم عَرَفَةَ، فَعَطِشَ عَطَشًا شَدِيدًا فَأفطَرَ، فَسألَ عدَّةً من أصحاب النَّبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فَأمَرُوهُ أن يَقضيَ يَومًا مكانَهُ».
عن ابن عبّاس، قال: «يَقضي يَومًا مَكانَه».
عن جابِرٍ، قالَ: سَألت مَكحُولا عن رَجُلٍ أصبحَ صائمًا، عَزَمَت عَلَيه أُمُّه أن يُفطِر قالَ: كَأنَّهُ كَرِهَ ذَلكَ، وقالَ: «يَقْضِي يَومًا مكانَهُ».
عن هشام، عنِ الحَسَنِ، قالَ: «إذا تَسَحَّرَ الرَّجُلُ فَقَد وجَبَ عَلَيه الصَّومُ، فَإن أفطَرَ فَعلَيه القَضاءُ».
عن عَطاء، ومُجاهد، أنَّهُما كانا إذا زارا رجُلا أو دُعِيا إلى طَعامٍ، وهُما صائِمانِ إنْ سَألَهُما أنْ يُفْطِرا أفْطَرا، وكانا يَقُولانِ: «نَقْضِي يَوْمًا مَكانَهُ».
[مصنف ابن أبي شيبة (٩٠٩٣ إلى ٩٠٩٧)].
عَنْ يَسارٍ، عَنْ إبْراهِيمَ، قالَ: «إذا أصْبَحَ وهُوَ صائِمٌ، فَلا يُفْطِرُ».
[مصنف ابن أبي شيبة]
#إذا_أفطر_من_غير_عذر_يقضيه:
وهو ما ذهب إليه الإمام مالك - رحمه الله - كما جاء في المدونة: في الَّذي يصُومُ مُتطَوّعًا ويُفطرُ من غَير علَّة قُلت: أرأيتَ من أصبَح صائِمًا مُتَطَوِّعًا، فَأفطَرَ مُتَعمِّدًا أيَكُونُ عَلَيه القَضاءُ فِي قَولِ مالكٍ؟
قالَ: نَعَم.
قُلتُ: أرأيْتَ لَو أنَّ رَجُلا أصبَح يَوم الأضحى أو يَوم الفِطر صائمًا فَقِيل له: إنّ هذا اليَوم لا يَصلُحُ فيه الصَّومُ فَأفطَرَ أيَكُونُ علَيه قَضاؤُهُ في قَول مالك أم لا؟
قالَ: لا يَكُونُ عَلَيه قَضاؤُهُ عِند مالِك.
[المدونة (٢٧٤/١)]
#من_قال_ليس_عليه_قضاء:
عَن أُمِّ هانئٍ، قالت: كُنت قاعدةً عِند رَسُولِ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فَأُتِي بِشَرابٍ فَشَرِب منه، ثُمَّ ناوَلَنِيهِ فَشربتُ، قالَت: قُلْت: يا رَسُول الله، قَد أذْنَبتُ فاستَغفر لي، قالَ: «وما ذاكَ؟» قالت: كُنتُ صائِمةً فَأفْطرتُ قالَ: «أمن قَضاء كُنت تَقْضينَهُ؟» قالَت: لا، قالَ: «لا يَضُرُّكَ». وفِي البابِ عَنْ أبِي سَعِيدٍ، وعائِشَةَ.
[ سنن الترمذي (٧٣١) مصنف ابن أبي شيبة (٩٠٩٨)]
قال الترمذي في سننه (١٠٢/٢)… وحدِيثُ أُمِّ هانِئٍ فِي إسناده مقال، #والعَمَل_عَليْه عند بَعض أهلِ العلمِ من أصحاب النَّبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وغَيرِهِم: أنَّ الصّائم المُتَطَوِّعَ إذا أفطَر فَلاَ قَضاءَ علَيه، إلاَّ أن يُحبَّ أن يَقضيَه، وهو قَولُ سُفيانَ الثَّوْرِيِّ، وأحمَدَ، وإسحاقَ، والشّافِعِيِّ. اهـ
(قلت) وهو الرواية الأخرى عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ و عائشة ـ رضي الله عنها ـ وبه قال الشعبي، وسعيد بن جبير ـ رحمهما الله ـ.
عن عِكرمَةَ، قال: «كانَ ابنُ عَبّاس يُفطرُ من صَوم التَّطَوُّع ولا يُبالِي».
عن يُوسُف بنِ ماهَكَ المَكِّيِّ، عنِ ابن عَبّاسٍ، أنَّه وطئَ جارِيَة لَهُ، وهو صائِمٌ قالَ: فقِيلَ لهُ: وطِئتَها وأنتَ صائِمٌ؟ قالَ: «هي جاريَتِي أعجَبَتنِي، وإنَّما هو تَطَوُّعٌ».
عن مُجاهدٍ، عن عائشَةَ، قالَت: رُبَّما أُهدِيَت لَنا الطَّرفَةُ، فَنَقُولُ: «لَولا صَومُكَ قَرّبناها إلَيكَ، فَيَدعُو بها فَيفْطِرُ عَليها».
عن مُجالدٍ، عنِ الشَّعبيِّ، قالَ: «كانَ لا يرى بأْسًا أن يُصبِح الرَّجُلُ صائِمًا، ثُمَّ يُفطِر».
عن أبِي مِسكِينٍ، قال: كانَ إبراهيم، وسَعيدُ بن جُبَيرٍ في دَعوَة، فَقالَ سَعِيدٌ: «إنِّي كُنتُ حدَّثَتني نَفْسي بِالصَّومِ»، ثُمَّ أكَلَ، وقالَ إبراهِيمُ: «ما يُعجِبُنِي»
[ مصنف ابن أبي شيبة]
#ذكر_الخلاف_في_المسألة:
قال ابن المنذر في الإشراف على مذاهب العلماء (١٢١):
واختلفوا فيما يجب على من أفطر في صيام التطوع، فرخَّصَت فيه طائفة ولم تَرَِ على من أفطر قَضَاء، هذا قول ابن عبَّاس.
وكان ابن مسعود، وابن عُمَر، وجَابر، لا َيَرون بالإفطار في التَّطَوع بأسًا، وبه قال الشَّافعي، وأحمَد، وإسحاق.
وقال الثوري: أحب إلى أن يقضي.
وكره الإفطار في التَّطوع الحَسَن البَصري، ومكحول، والنَّخَعي، وقالوا: يقضيه.
وكان مالك، وأبو ثور، يقولون: إذا أفطر من غير عُذر قضَى، وهو مذهبُ الكوفي. اهــ
(قلت) ونختار ما ذهب إليه إمامُنا أحمد بن حنبل ـ رضي الله عنه ـ، أنَّه ان قَضَى فحسن، على قول من رأى القضاء، وإن لم يقض فلا شيء عليه، على قول من رخَّص من السلف، رضي الله عنهم أجمعين.
قال إسحاق بن منصور: قُلْتُ: مَن أصبحَ صائمًا، ثمَّ بدا لَهُ فأفطر؟
قال: إنْ قَضى يومًا فحسن، وإن لم يقضِ لم أعب عليه.
قال إسحاق: كما قال.
[مسائل الكوسج (٦٩٦)].
قال ابن هانئ: سألته عن: الرجل ينوي الصوم قبل طلوع الفجرَ، ثم يفطر بعدما يصبح؟
قال: لا بأس، إلا أن يكون نذرًا، أو صََومًا واجبًا؛ قال: وإن قضَى فلَيس فيه اختلاف.
[مسائل ابن هانئ (٦٢٢)].
#الأفضل_القضا_للمفطر_في_التَّطوع:
قال الأثرم: سألت أبا عبد اللَّه أحمد بن حنبل عن رجل أصبح صائمًا متطوعًا ثم بدا له فأفطر، أيقضيه؟
قال: إن قضاه فحسن، وأرجو ألا يجب عليه شيء.
[الاستذكار (١٠/ ٢٠٣) شرح العمدة كتاب الصوم (٢/ ٦٠١)]
قال حرب: سُئل أحمد قيل: ما تقول فيمن نوى الصيام من الليل، ثم أصبح فأفطر؟
قال: إن قضى فهو أحب إليَّ، وإلا، فليس عليه شيء.
وسئل عن رجل صام تطوعًا، فأراد أن يفطر: أعليه قضاء أم لا؟
قال: إذا كان من نذر أو قضاء رمضان يقضي، وإلا فلا.
[شرح العمدة كتاب الصوم (٢/ ٦٠١ - ٦٠٢)]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ وهج السنة ]