ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قصة شهيـد - العدد : (391)
الخميس 28 شوال 1444 هـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأخ أبو مبشّر -تقبله الله تعالى-
قاتل الروس والأمريكيين وقُتل في ظلال الخلافة.
روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك في قصة إسلام حبر اليهود عبد الله بن سلام أنه جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قدِم المدينة وسأله ثلاثة أسئلة، وقال: "لا يعلمهن إلا نبي"، فلما أجابه النبي عنها؛ ما كان منه إلا أن أسلم، ثم قال: يا رسول الله إن اليهود قوم بهت فاسألهم عني، قبل أن يعلموا بإسلامي، فجاءت اليهود فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: أيّ رجل عبد اللّه بن سلام فيكم؟ قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وأفضلنا وابن أفضلنا، فقال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: أرأيتم إن أسلم عبد اللّه بن سلام قالوا: أعاذه اللّه من ذلك، فأعاد عليهم، فقالوا: مثل ذلك، فخرج إليهم عبد اللّه فقال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمّدا رسول اللّه، قالوا: شرّنا وابن شرّنا، وتنقّصوه!، قال: هذا كنت أخاف يا رسول اللّه.
لم تقتصر هذه الصفة الذميمة على اليهود فحسب، بل صارت صفة ملازمة لكل الحركات والجماعات المرتدة التي بدّلت دينها وانسلخت من آيات الله، وحذت حذو اليهود في انتقاص وتشويه كل من يتبرأ من باطلها ويفيء إلى الحق، حتى لو كان سابقا من خيرة رجالها.
قصة تتكرر في كل زمان
في خراسان مثلا التحق في صفوف الدولة الإسلامية كثير من طُلاب الحق الذين كانت لهم صولات وجولات في حقبة طالبان، غير أن هؤلاء الأبطال لمّا فعلوا ذلك، كان موقف المرتدين منهم كموقف اليهود من عبد الله بن سلام بعد إسلامه، "شرنا وابن شرنا!" وقد كانوا من قبل يقولون عنه: "خيرنا وابن خيرنا!".
هذه قصة تتكرر في كل أزمنة الصراع بين الحق والباطل وخصوصا في زمن المفاصلة والمفارقة لمعسكرات الردة التي تتمسح بالإسلام وترفع شعاراته.
واليوم لدينا قصة أحد هؤلاء المجاهدين الأبطال وهو الأخ (أبو مبشر) تقبله الله، من أوائل المقاتلين ضد الغزو الروسي والأمريكي، وكان رجلا عقائديا قدّم الولاء للمؤمنين على كل ولاء، وحقق البراء من المرتدين حتى مِن أقرب الأقربين، كان باحثا عن الحق فجعل التوحيد هاديا له في طريقه وضابطا لمواقفه، ولمّا أعلنت دولة الخلافة كان من أوائل المبايعين لها، وواصل طريقه في ظلالها يقاتل المشركين كافة على منهاج النبوة حتى أتاه اليقين، ليُقتل على أيدي الميليشيا الوطنية التي نحرت الذبائح فرحا بمقتله بعد أن ذبحت عقيدة التوحيد في عروق أفرادها من الوريد إلى الوريد.
القتال ضد الغزو الروسي ثم الأمريكي
كان الأخ أبو مبشر من الرجال القلائل الذين شدوا الظهر إلى الحرب مبكرا للتصدي للغزو الروسي لأفغانستان، وقدّم تضحيات كبيرة في تلك المرحلة، وبعد اندحار الروس عن أفغانستان لم ينشغل أبو مبشر بما انشغلت به الفصائل المتناحرة من نهب وخلافات، بل ذهب إلى باكستان باحثا عن العلم الشرعي المتاح آنذاك، حيث التحق بالمدارس وبدأ بتلقي الدروس الشرعية الأساسية خلافا لعمره آنذاك.
ولمّا غزت أمريكا الصليبية أفغانستان، سارع أبو مبشر إلى قتال القوات الأمريكية، وكان مِن أوائل مَن بدأ حربا ضد الأمريكيين في منطقة (كونر)، في وقت كانت الشائعات تنتشر بين الناس أنّ الأمريكيين لديهم قوة عظمى! وكانوا يقولون: إذا أطلق أي شخص النار على الجيش الأمريكي، فستنحرف فوهة البندقية عن مسارها! لكن هذا المجاهد الشاب فعل شيئين: كسر هذه الصورة في أذهان المسلمين وبدأ القتال فعليا ضد القوات الأمريكية، وثانيا أخذ يدعو ويجنّد الشباب والمناصرين في كل منطقة ومقاطعة، وبمرور الوقت استطاع إيجاد مناصرين للجهاد في 14 منطقة في (كونر) و(نورستان) المتجاورتين.
قاد الهجمات ضد القواعد الأمريكية
وخلال الغزو الأمريكي، قاد أبو مبشر العديد من العمليات العسكرية ضد القوات الأمريكية برفقة من معه وشنّوا هجمات واسعة ضد قواعد أمريكية كبيرة، ونجح في العديد من المرات في تقطيع أوصالهم وتمزيق أشلائهم، حتى اضطروا إلى الفرار من بعض هذه القواعد تحت وقع الضربات المتتالية، وكان من أبرز هذه الهجمات الكمين الشهير الذي سقط فيه الجنود الأمريكان مِن على رؤوس الجبال حتى خرجت أمعاؤهم من أجسادهم وقد ظهر ذلك في مرئيات قديمة.
وقد أصيب أبو مبشر مرتين بجروح خطيرة خلال معاركه ضد القوات الأمريكية، حتى أن بعض جراحه لم تلتئم حتى وقت إعلان ولاية خراسان، ومع ذلك لم تمنعه هذه الإصابات من مواصلة طريقه في الجهاد.
جهاده ودعوته في صفوف الدولة الإسلامية
وعند إعلان الخلافة بدأ يبحث عن الحق ويتحرى حتى وفقه الله تعالى إلى سبيل الرشاد وقرر الالتحاق بالدولة الإسلامية، وكان واحدا من أوائل المبادرين إلى بيعة ولاية خراسان حيث تحمل عقبات وصعوبات كثيرة في سبيل الوصول إلى الشيخ الوالي سعيد خان -تقبله الله- حتى تمكن من ذلك وبايعه في منطقة (تور دره).
وانطلاقا من خبرته السابقة وتاريخه الجهادي، عيّنه أمراؤه مسؤولا في منطقة (كونر) وهناك نشط في مجال الدعوة إلى التوحيد والتحريض على الجهاد في سائر مناطق (كونر)، حتى وفقه الله تعالى ونجح في استقطاب وتجنيد أعداد كبيرة من المجاهدين في تلك المناطق، حتى بايعه مئات المجاهدين بينهم العديد من القادة البارزين وكان من بينهم الشيخ الوالي أبو عمر -تقبله الله- الذي أعطى البيعة لأبي مبشر يدا بيد، إضافة إلى قادة آخرين بارزين كان لهم صولات وجولات في صفوف الدولة الإسلامية.
مع أبي مالك التميمي
وهكذا قضى معظم حياته يقاتل الكافرين والمرتدين ويتزود بالصبر والإيمان ويبحث عن الحق والعلم الشرعي الذي يبلغه مراتب النجاة، وكان يحب أن يجالس العلماء الذين يقودون المجاهدين، وكان إخوانه يستشيرونه في سائر أمورهم، ورغم انشغاله بالمهام العسكرية والقيادية على الدوام، إلا أنه كان حريصا طوال السنوات التي قضاها برفقة المجاهدين العرب في جبال خراسان على طلب العلم ما استطاع إليه سبيلا، فتعلّم منهم بعض العلوم الشرعية الأساسية وعلوم اللغة العربية، وكان من المشايخ الذين التقى بهم وتلقى عنهم العلم؛ الشيخ المجاهد أبو مالك التميمي -تقبله الله- حيث أخذ عنه دروسا في صحيح البخاري وغيره، ووصفه أبو مبشر بأنه كان عالما متقنا في الحديث، وأخبر أن أبا مالك كان برفقتهم قبل انتقاله لاحقا إلى منطقة (تورا بورا) في (ننجرهار)، وبعدها نفر إلى دار الخلافة في العراق والشام، وقال أبو مبشر: كانت آخر مرة رأيت فيها أبا مالك التميمي في الإصدار الشهير وكان يضع على رأسه عصبة حمراء والمجاهدون حوله يبايعون على الموت.
صفاته وأخلاقه
ونحسب أن الأخ أبا مبشر قد حاز كثيرا من الصفات الطيبة والأخلاق الحميدة التي ينبغي على المجاهد أن يتصف بها ويمتثلها، فكان متواضعا رحيما بعوام المسلمين لا يخذل من مدّ إليه يد العون في أي وقت خصوصا أوقات الشدة، يحافظ على صلة الرحم ويداوم على زيارة وتفقد مرضى المسلمين، فكان عامة المسلمين يحبونه حتى أن أهالي منطقة (کونر) كانوا يقفون في الطرقات لاستقباله عند قدومه.
فيما يتعلق بأمور الميدان، كان دائما على أتم الاستعداد لأي طارئ، وكان يحذّر كثيرا من استخدام الهواتف والتهاون بها، ويوصي المجاهدين بحمل السلاح في كل وقت ويعدّ مخالفة ذلك معصية للأمير، وكان مقاتلا صلبا متمرسا صاحب خبرة ودراية في أمور القتال والميدان، وعرف عنه حسن سمعه وطاعته لأمرائه ومشايخه رغم مكانته بينهم وسابقته في الجهاد فكان يسمع ويطيع كأي جندي.
وفي المقابل، كان أبو مبشر صاحب عقيدة صافية لا يداهن في التوحيد أحدا، شديدا على الكافرين والمرتدين غليظا عليهم، لقد كان جبلا في الولاء والبراء؛ يظهر ويجهر بعداوته وبراءته من المرتدين ولو كانوا أقرب الناس إليه، صادعا جريئا في قول كلمة الحق، شجاعا مقداما لا يلين ولا يداهن ولا يخشى في الله لومة لائم.
قائدا ومجاهدا في (ننجرهار)
وبعد أن فتح الله على المجاهدين في (ننجرهار)، أمره إخوانه بالذهاب إليها لقيادة وترتيب الصفوف هناك، فهاجر إليها مع أسرته واستقر فيها، وهناك شارك وقاد العديد من الغزوات الكبيرة كان من أبرزها معركة خراسان الأولى التي عرفت باسم (غزوة مفتاح الخير) التي قادها أبو مبشر بنفسه، وفتح الله على يديه وحاز مغانم وغنائم كثيرة بفضل الله تعالى، وقد ظهر في الإصدار الشهير الذي حمل اسم الغزوة وهو يبشّر المسلمين ويحرضهم على الالتحاق بركب الخلافة وطريق النجاة.
هكذا أمضى أبو مبشر حياته في ميدان التوحيد والجهاد، داعيا ومحرّضا ومجاهدا وظل في الغالب قائدا عسكريا ميدانيا، وكان عناصر طالبان المرتدون يخافونه ويحسبون له ألف حساب ويتجنّبون أن يهاجموا الثغور التي يشرف عليها، وقد أمضى وقتا في كل منطقة فتحها المجاهدون وحارب المرتدين في سائر مناطق وثغور ولاية خراسان متنقلا من ثغر إلى ثغر ومن خندق إلى خندق لا يكل ولا يمل.
خمسون عاما قضى أكثرها في ميادين التوحيد
واستمر أبو مبشر ثابتا على طريق الجهاد حتى فترة المحنة التي تعرضت لها الدولة الإسلامية في خراسان في وقت الحملة الصليبية التي تزامنت مع حملة المرتدين عليها، وكان في آخر حياته قائدا عسكريا لكتيبة سعيد بن زيد، في منطقة (وزير تنكي)، وعند تعرض المنطقة لهجوم واسع من قبل ميليشيا طالبان، انبرى أبو مبشر للتصدي لهجوم المرتدين حتى وصل إلى الخطوط الأمامية للمعركة وكان يقود المجاهدين ويوزع المجموعات على الثغور، وفي أحد الأيام توجه برفقة مجموعة من إخوانه المجاهدين لنصب كمين للمرتدين على إحدى طرق القتال، واندلعت اشتباكات عنيفة أصيب فيها أبو مبشر إصابات بالغة قتل على إثرها متأثرا بجراحه بعد ساعة من إصابته، فرحل عن عمر يناهز الخمسين عاما قضى أكثرها في ميادين الجهاد، داعيا إلى التوحيد الصافي محرضا على الجهاد، وقائدا عسكريا قاد المعارك وخاض الحروب وشهدت له ثغور وجبال ووديان خراسان ولقي ربنا صابرا محتسبا.
نبشوا قبره!
بقي أن نذكر أنه لما علمت ميليشيا طالبان بمقتله، احتفت واحتفلت بذلك وذبح عناصرها وأوباشها الذبائح فرحا بمقتله بعد أن أذاقهم والروس والأمريكان مر العلقم على مدار سنوات المفاصلة والتمايز على ثرى خراسان، وبعد فترة لمّا وصل عناصر الميليشيا المرتدة إلى قبر الأسد الوقور، قاموا كعادتهم بنبش القبر كما فعلوا بالكثيرين من المجاهدين غيره، وكل هذا بدافع الحقد الشديد على الموحدين السائرين على عقيدة السلف المتبرئين من العقائد والمناهج المنحرفة التي أوصلتهم إلى ما وصلوا إليه مما لم يعد خافيا إلا على أعمى البصيرة، ولا عجب تبقى الضباع ضباعا والأسود أسودا.
رحم الله أبا مبشر وتقبل منه سبقه وجهاده ودعوته وألحقنا به غير خزايا ولا محرومين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
التفريغ من إعداد: موقع إعلام.