- فائدة في إثبات صفة العَجَب لله عزَّ وجلَّ :
- العجب : صفةٌ فعليَّةٌ خبريَّةٌ ثابتة لله عزَّ وجلَّ بالكتاب والسنة.
* الدليل من الكتاب:
1- قولـه تعالى: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} [الصافات: 12].
قال ابن جرير: (قولـه: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ}؛ اختلفت القرَّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرَّاء الكوفة: {بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ}؛ بضم التاء من عَجِبْتَ؛ بمعنى: بل عظم عندي وكبر اتخاذهم لي شريكاً وتكذيبهم تَنْزيلي وهم يسخرون، وقرأ ذلك عامة قرَّاء المدينة والبصرة وبعض قرَّاء الكوفة عَجِبْتَ؛ بفتح التاء؛ بمعنى: بل عجبت أنت يا محمد ويسخرون من هذا القرآن.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان في قرَّاء الأمصار، فبأيتهما قرأ القارئ؛ فمصيب.
فإن قال قائل: وكيف يكون مصيباً القارئ بهما مع اختلاف معنييهما؟! قيل: إنهما وإن اختلف معنياهما؛ فكلُّ واحد من معنييه صحيح، قد عجب محمد مما أعطاه الله من الفضل، وسخر منه أهل الشرك بالله، وقد عجِب ربنا من عظيم ما قاله المشركون في الله، وسَخِر المشركونَ مما قالوه) (2) .
وقال أبو زرعـة عبدالرحمن بن زنجلــة: (قرأ حمزة والكسائي:
{بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ؛ بضم التاء، وقرأ الباقون بفتح التاء...)، ثم قال: (قال أبو عبيد: قولـه: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ}؛ بالنصب: بل عجِبتَ يا محمد من جهلهم وتكذيبهم وهم يسخرون منك، ومن قرأ: {عَجِبْتُ}؛ فهو إخبار عن الله عَزَّوجلَّ) (3) .
وقد صحت القراءة بالضم عن ابن مسعود رضي الله عنه كما سيأتي.
2- وقولـه تعالى: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قولـهمْ أَءِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [الرعد: 5].
نقل ابن جرير هذه الآيــة بإسناده إلى قتادة قولـه: (قولـه: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ} : إن عجِبتَ يا محمد؛ {فَعَجَبٌ قولـهمْ أَءِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} : عجِبَ الرحمن تبارك وتعالى من تكذيبهم بالبعث بعد الموت) (4) .
قال ابن زنجـلة بعد ذكــر قراءة بَلْ عَجِبْتُ بالضم: (قال أبو عبيد: والشاهد لها مع هذه الأخبار قولـه تعالى: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قولـهمْ، فأخبر جل جلاله أنه عجيب}) (5) .
* الدليل من السنة:
1- حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((لقد عَجِبَ الله عزَّ وجلَّ (أو: ضحك) من فلان وفلانة)) (6) .
2- حـديث أبي هريرة رضي الله عنـه: ((عَجِبَ الله من قوم يدخلون الجنــة في السلاسل)) (7) .
3- عن أبي وائل شقيق بن سلمة؛ قال: (قرأ عبدالله (يعني: ابن مسعود) رضي الله عنه: {بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ}؛ قال شريح: إنَّ الله لا يعجب من شيء، إنما يعجب من لا يعلم. قال الأعمش: فذكرت لإبراهيم، فقال: إنَّ شريحاً كان يعجبه رأيه، إنَّ عبدالله كان أعلم من شريح، وكان عبد الله يقرأها: {بَلْ عَجِبْتُ}) (8) .
قال أبو يعلى الفراء بعد أن ذكر ثلاثة أحاديث في إثبات صفة العَجَب:
( اعلم أنَّ الكلام في هذا الحديث (يعني: الثالث) كالكلام في الذي قبله، وأنه لا يمتنع إطلاق ذلك عليه وحمله على ظاهره؛ إذ ليس في ذلك ما يحيل صفاته، ولا يخرجها عما تستحقه؛ لأنا لا نثبت عَجَباً هو تعظيم لأمر دَهَمَه استعظمه لم يكن عالماً به؛ لأنه مما لا يليق بصفاته، بل نثبت ذلك صفة كما أثبتنا غيرها من صفاته) (9) .
وقال قوَّام السُّنَّة الأصبهاني: (وقال قوم: لا يوصف الله بأنه يَعْجَبُ؛ لأن العَجَب ممَّن يعلم ما لم يكن يعلم، واحتج مثبت هذه الصفة بالحديث، وبقراءة أهل الكوفة: {بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ}؛ على أنه إخبار من الله عزَّوجلَّ عن نفسه) (10) .
وقــال ابن أبي عـاصم: (باب: في تَعَجُّبِ ربنا من بعض ما يصنع عباده مما يتقرب به إليه) (11) ، ثم سرد جملة من الأحاديث التي تثبت هذه الصفة لله عزَّ وجلَّ (12) .
وممن أثبت صفة العَجَب لله عزَّ وجلَّ شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية، وشرح ذلك الهراس بقوله: (قولـه: ((عَجِبَ رَبُّنا…)) إلخ؛ هذا الحديث يثبت لله عزَّ وجلَّ صفة العَجَب، وفي معناه قولـه عليه الصلاة والسلام: ((عجب ربك من شابٍّ ليس لـه صبوة)) )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ((جامع البيان في تأويل القرآن)).
(2) ((حجة القراءات)) (ص 606)
(3) ((جامع البيان في تأويل القرآن)).
(4) ((حجــة القراءات)) (ص 607).
(5) رواه البخاري (4889)، ومسلم (2054) بلفظ: ((قد عَجِب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة)).
(6) رواه البخاري (3010).
(7) رواه الحاكم (2/466)، والبيهقي في ((الأسماء والصفات)) (2/415). قال الحاكم: صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه. وقراءة ابن مسعود رضي الله عنه بالضم ثابتة في ((صحيح البخاري)) (4692) بدون كلام شريح.
(8) ((إبطال التأويلات)) (ص 245).
(9) ((الحجة)) (2/457).
(10) السنة (1/249)
(11) وانظر إن شئت: ((مجموع الفتاوى)) لشيخ الإسلام ابن تيمية (4/181، 6/123و124).
(12) شرح الواسطية - (ص 202)
المصدر : مبحث : صفات الله الواردة في الكتاب والسنة
في: موقع الدرر السنية للشيخ علوي بن عبد القادر السقاف.